الرياض - خاص بـ (الجزيرة) :
حرصت الشريعة الإسلامية على بناء الأسرة المسلمة وفق أسس شرعية قوية، تضمن لهذه الأسرة استمرارها باعتبارها اللبنة الأولى في المجتمع المسلم، ومن ذلك الاهتمام بتكوين الأسرة من خلال حياة زوجية سعيدة ترتكز على الاختيار الأمثل لكلا الزوجين، المستند إلى الرضا والاقتناع التام من الطرفين، بل وجعلته شرطاً في صحة العقد، إضافة إلى رضا الولي، وصح في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة تزوجت بغير إذن وليها فزواجها باطل» وكررها ثلاثاً، وقوله صلى الله عليه وسلم في شأن البكر، وقد قيل له: «إن البكر تستأمر فتستحي فتسكت، فقال: سكوتها إذنها».. وتبعاً لحرص الشريعة على بناء المجتمع المسلم في أولى لبناته على أسس قوية، تحدث اثنان من المتخصصين في العلوم الشرعية عن منهج الإسلام في تأسيس الأسرة المسلمة.
لا زواج إلا بولي
يؤكد د. خالد بن إبراهيم الرومي - الأستاذ المشارك بكلية أصول الدين بالرياض: أن السعادة الحقيقية تحصل بما شرعه الله عز وجل، ومما شرعه الله تعالى من أسباب السعادة الارتباط برباط الزوجية، فالزواج تحصل به الطمأنينة، والسكينة، وهدوء البال، وصلاح الحال، وراحة النفس، وسرور القلب {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}، روى مسلم في صحيحه من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة».
وحتى يحقق الزواج أهدافه وتترتب عليه مصالحه المنشودة وغاياته المقصودة.. لابد أن يكون وفق ضوابط الشرع، ومن ذلك أن الاختيار يبنى على الدين والخلق من الطرفين كليهما ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فاظفر بذات الدين تربت يداك»، وكذا في جانب المرأة جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وابن ماجه «إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض».
ومن الضوابط التي جاء بها الإسلام أن الزواج مبني على الرضا من الزوجين فلا تجبر المرأة بكراً كانت أو ثيباً على من لا ترضاه، فمن شروط عقد النكاح رضا المرأة البالغة فلا يجوز تزويجها بغير رضاها لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح المرأة حتى تستأذن»، وفي رواية لمسلم» والبكر يستأذنها أبوها»، لأن الإجبار يترتب عليه من فشل النكاح والآثار السيئة أمور كثيرة، غير أنه ينبغي التنبيه إلى أنها لن توافق على اختيار من لا يرضى دينه أو خلقه.
ومن الضوابط التي جاءت بها الشريعة في الزواج أن يكون بولي بالغ عاقل يعرف مصالح النكاح لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي»، فالمرأة لا تزوج نفسها ولا غيرها لا بطريق الأصالة ولا الوكالة بل يزوجها وليها والولي هو الصاحب وأحق الناس بالولاية أقربهم ولاية.
والولاية يجب أن تكون بالحسنى فيراعى مصلحة المرأة ويزوجها من هو كفؤ لها ديناً وخلقاً إذا رضيته، ولا يمنعها ممن ترضاه إذا كان أهلاً لذلك، فليست الولاية في الإسلام تسلطاً ولا تعسفاً ولا استبداداً بل الدين أكرم المرأة بحمايتها ورعايته والإحسان إليها وإيصالها إلى ما يسعدها ويحقق آمالها ويلبي رغبتها المنضبطة بضوابط الشرع الحنيف.
المرأة الضعيفة
ويقول د. عبدالعزيز بن سليمان المزيني - عضو هيئة التدريس بقسم القرآن الكريم وعلومه بجامعة القصيم: فقد حرصت الشريعة الإسلامية على بناء المجتمع المسلم بناء سليماً يديم تماسكه ويحفظه من التمزق والانهيار، ولا شك أن المجتمع مكون من مجموعة أسر، وهذه الأسر مكونة من مجموعة أفراد، وقد حرص الإسلام على الحفاظ على كيان هذه الأسر، وذلك من خلال وسائل متعددة، ومن أهم هذه الوسائل ما يتعلق باللبنة الأولى لكل أسرة، ألا وهما الزوجان، فاهتم بتكوينهما تكويناً صحيحاً في أيامهما الأولى، من حين الخطبة إلى آخر عهدهما بهذه الحياة الدنيا، فشرع للرجل عند الخطبة رؤية مخطوبته بالطرق الشرعية، ليكون قبوله عن قناعة، كذلك أعطى المرأة حق الموافقة أو الرفض، بل راعى شعورها إذا كانت بكراً وتستحي من التصريح بالقبول، فجعل إذنها سكوتها، كما ثبت في البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قَالَ لا تُنْكَحُ الأيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ أَنْ تَسْكُتَ» فاهتم الإسلام برضا الطرفين قبل اقتران أحدهما بالآخر، لأن قناعة كل واحد منهما بالآخر من أهم أسباب نجاح الزواج، واستمرار الحياة الزوجية، وقوام الأسرة.
ولما كانت المرأة ضعيفة، وسريعة العاطفة، سهلة الخداع، يمكن أن يأتي شخص من أفسق الناس ويغرّها، ويمدح نفسه عندها، ويجعل نفسه من أحسن الناس، في المال والكمال والأخلاق والدين، وهو غير ذلك، فربما تنخدع به وتتزوج به، فيحصل ما لا تحمد عقباه، فكان من الحكمة أن لا تتزوج إلا بولي من الرجال، يتثبت من أمر الخاطب وكفاءته، كما ثبت عند أبي داود وابن ماجه الترمذي من حديث أبي موسى الشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا نكاح إلا بولي».
إضافة إلى معرفة كل واحد من الزوجين بحقوق الآخر عليه، فإن الشارع الحكيم جعل لكل واحد على الآخر حقوقاً، فجعل للمرأة حقاً واجباً على الرجل قبل دخوله بها، وهو المهر، فلا بد أن يدفع لها، أو يسمى، ولو لم يحدد المهر فُرِضَ لها مهر مثلها، وجعل لها حقوقاً بعد انتقالها إلى بيت الزوجية، وهي النفقة بالمعروف، والسكنى، وحسن المعاشرة، وعدم الإضرار بها، وجعل هناك حقوقاً على المرأة لزوجها، ومنها: طاعته بالمعروف، وحسن العشرة، وعدم الخروج من بيته إلا بإذنه، وعدم الإضرار به، ومن الإضرار بالزوج إثقال كاهله بالنفقة، فإذا عرف كل واحد منها حق الآخر عليه، وقام به حق القيام، صار هذا سبباً في استمرارية الحياة الزوجية، فنشأت أسرة صالحة، وتربى فيها الأولاد تربية صالحة، فساهمت هذه الأسرة المباركة -وإن صغرت- في بناء المجتمع الإسلامي الصالح.