لم أكن أود الخوض في مثل هذه القضايا التي لست أهلاً لها، وكما يقال: مَن قال لا أعلم فقد أفتى، وإن كان جيل اليوم لم يعد ينتظر من يأتيه ليسأله عن مسألة بل صار مبادراً، وما ذلك إلا بسبب حب الأضواء والسعي حثيثاً إلى أن يكون من مشاهير المجتمع، حتى ولو كانت هذه الشهرة على باطل؛ فالمثل القديم يقول: (خالف تعرف)، في وصف دقيق جداً لحال أصحابنا اليوم من محاولي طلب العلم وأصحاب الأصوات الندية في قراءة القرآن، هؤلاء الذين ظنوا - وبعض الظن إثم - أنهم صاروا من أصحاب الرأي والفقه، وهم لا يتعدون أن يكونوا أصحاب أصوات ندية في قراءة القرآن، أو من مجالسي العلماء، أو في أحسن أحوالهم ممن تخرجوا من كلية شرعية وما زالوا يحبون حبواً في طلب العلم يتعثرون أكثر مما يسيرون.
تصيبني الحيرة والألم عندما أقرأ لأحدهم في صحيفة أو موقع إلكتروني فتوى يخالف بها كل مَن سبقه في جرأة على النار كما ورد (أجرأكم على الفتوى أجرأكم على النار)، كيف لهؤلاء أن يتجرؤوا ويقولوا قولاً يخالف كل مَن سبقهم من علماء هذه الأمة أو على الأقل من العلماء المعتبرين..؟!
كيف لهم ذلك؟ وهذه الخطورة التي يدركونها ويعلمون الحذر الشديد الذي كان يصاحب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم ورضي عن أصحابه -، يوم كان كل صحابي يدفع بالسائل إلى الآخر خشيةَ تحمل مثل هذه المسؤولية العظيمة..!!
يا إلهي.. ما هذه الجرأة منكم على القول بحق أو بغير حق وأنتم لستم ممن أوكل لهم ولي الأمر القيام بهذه المسؤولية..؟؟
كيف لكم أن تحللوا أو تحرموا في قضايا قد يأخذ بتحليلها أو تحريمها ألوف بل ملايين من الناس في مشارق الأرض ومغاربها فتبوؤوا بأوزارهم إلى يوم القيامة..؟!!
كيف لكم أن ترضوا أن تكونوا من أجرأ عباد الله على النار..؟؟!!
أمر في غاية الغرابة، هل وصل بنا الهوس للظهور والشهرة الإعلامية حداً يجعلنا نقبل بأن نبحث عن الشاذ من الأقوال والغريب من الأحكام؛ من أجل أن نكون مادة دسمة لوسائل الإعلام؟! أمر مؤسف بحق.
أكثر من صديق كان يسألني: لمَ تعلق على رأي الشيخ فلان أو علان؟ وكنت أقول لهم إن الحديث في مثل هذه القضايا ليس من حق عموم الكتبة وأصحاب الرأي الخوض فيها وإنما لأهل الاختصاص من علماء الشريعة وفقهائها.
علينا أن نضع الأمور في نصابها الصحيح ونحيل القضايا إلى رجالها المختصين، وألا نخلط بين حفظ القرآن وتجويده وترتيله وبين الفقه في الدين وفهم النصوص.
والله المستعان..
almajd858@hotmail.com