الجميع يشيد بما حققه مجلس التعاون لدول الخليج العربية من إنجازات ونجاحات جعلت منه أفضل منظمة إقليمية، إلا أنه وعلى الرغم من كل ما تحقق فإن أهل الخليج لا يَعدُّون ذلك متوافقاً مع آمالهم وطموحاتهم. وإذا كانت المشروعات تُقَيَّم بالأهداف التي من أجلها أُطلقتْ تلك المشروعات، فإنَّ مشروع إقامة مجلس التعاون لدول الخليج العربية كان يهدف أن يصل في النهاية إلى كيان دولي تنصهر فيه جميع دول الخليج الست، بحيث تصبح دولة إقليمية فدرالية أو حتى كنفدرالية، دولة تستطيع أن تطلق قدرات إقليم الخليج العربي وتقيم كياناً دولياً يتوافق مع الاتجاهات الحديثة في العلاقات الدولية التي أخذت تسعى وتعمل على إقامة كيانات دولية من خلال دمج دول مع بعضها البعض، مكونة فضاءات دولية، وأسواقاً اقتصادية، ومنطقة حرة للتبادل التجاري، وذات مرونة سياسية محكومة بضوابط أمنية، وتسير وفق نهج إستراتيجي يلتزم به الجميع.
هذا ما يسعى إليه الاتحاد الأوروبي الذي وإن نجح في تحقيق معظم أهدافه في إطلاق عملاق دولي يضم دول أوروبا، وهو يواجه الآن عقبات اقتصادية، إلا أنَّ وضع أساس الدولة القارية الواحدة قد اكتملت إطاراته.
دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أقلُّ عدداً من الدول الأوروبية، ولا تعترضها مشكلات كالتي اعترضت مسيرة الاتحاد الأوروبي، إلا أن أوروبا تجاوزتها، وهو ما يجب أن تدرسه وتسير دول الخليج العربية على منواله، مع الحرص على تشذيبه وتصحيح ما يتوجب إصلاحه حتى لا يواجه مجلس التعاون ما يواجهه الاتحاد الأوروبي من مشكلات وخاصة في المسائل الاقتصادية والسياسية والإستراتيجية والأمنية والعسكرية.
هذه المواضيع المهمة - وكما تسرب من الاجتماع الأخير الذي عُقد في دولة البحرين لبحث رؤية مملكة البحرين لتطوير مجلس التعاون - هي التي نُوقشتْ. وكما علمنا بأن الرؤية قد أُقِرَّتْ بعد بحث ومداولات وزراء الخارجية، إلا أنه كان المفروض أن تُطرح هذه الرؤية ويعرفها أهل الخليج جميعاً، لأن الأمر يهمّ كل دول الخليج حكومات وشعوباً، وليس مقصوراً على وزراء الخارجية فقط. فالموضوع مهم وملح ومصيري، وكان يجب أن يشارك في مناقشته الجميع.
***