ما يحدث في عدد من المطارات الداخلية ومن رحلات «السعودية» المحلية على وجه الخصوص شيء غريب، «مشاهد مبكية ومواقف حزينة وتراشق بالألفاظ واتهامات بالمجان وتهرب وتخبط، ومعلومة غير دقيقة من قبل البعض من الموظفين وللأسف الشديد والسبب كنترول التحكم، وربما ظلت هذه المعلومات التي تهم الراكب لساعات طويلة محاطة بالسرية والكتمان»، والمشكلة أن هذا السيناريو كثيراً ما يتكرر، وليس في الأفق بصيص أمل واضح في انتهاء هذا المسلسل الحزين!!، ولعل من آخر المشاهد التي عايشتها بكل تفاصيلها ما حدث مساء يوم السبت الماضي، إذا كان من المقرر أن تقلع رحلة الرياض - حائل ذات الرقم 1323 الساعة 9.5 مساء، ولكن الذي حدث باختصار أن أجّلت الرحلة حتى الساعة 11.50 مساء بإعلان رسمي وتأكيد شفوي من قبل المدير المناوب بل وبرسائل على جوالات عدد من المسافرين وهذا بصدق تطور محسوب، مع أن شاشات المطار لم تتغير عمّا هو مبرمج فيها، وتأتي الساعة 12 ولا شيء يذكر، وعند الساعة الواحدة يتضايق الناس ويتذمر الجميع ويبدأ التفكير بالحلول البديلة ويأتي الوعد الأكيد بأن الإقلاع سيكون الساعة الثانية صباحاً، والحجة التي قيلت حينها من قبل الموظف المختص «عدم وجود ملاحين!!»، مع أنها رحلة أساسية مجدولة منذ فترة ليست بالقريبة، ويتوافد الناس ومن بينهم أصحاب الكراسي المتحركة، والمرضى ممن يحملون أكياس العلاج البيضاء الكبيرة وعليها شعار واسم المستشفى وكبار السن الذين لم يعرفوا السهر، والأطفال الذين طال بهم المقام فخلدوا إلى النوم مجبرين، ويقف الجميع صفاً واحداً عند بوابة 36 بعد أن تم فتحها بديلاً عن 37، ويستقر بهم المقام في مقاعدهم المحددة لهم على متن الطائرة وهم فرحين بقرب الفرج، ويتصل الكثير منهم على ذويهم مطمئنين ومبشرين بأن ساعة الإقلاع قد حانت، وبعد نصف ساعة أو يزيد يعلن قائد الطائرة أن هناك عطلا ويجب على الجميع أخذ أمتعتهم اليدوية والنزول، ويعلو الصوت ويطلب أحد الركاب من الجميع عدم النزول احتجاجاً وممانعة، بعد أن حيرهم الأمر إذ كيف يطلب منهم الركوب والطائرة فيها عطل فني!!، ينزل الركاب جميعاً ويتحلقون حول المدير المناوب والذي قال بالحرف الواحد: «إن هذا التأخير طارئ نتيجة تغير النظام يوم الثلاثاء الماضي!!» وبانفعال قال له أحد الركاب أنتم لا تكترثون بنا نحن ركاب هذه المنطقة، فرد وبكل ثقة: «لا.. أبداً كل المناطق يحدث لها هذا، نجران أربعة أيام في المطار لم تقلع رحلتهم!!» وبعد صلاة الفجر وعند الساعة الرابعة تقريباً يتقاطر الناس على بوابة 35 وتقلع الطائرة بحفظ الله ورعايته.
هذه مجرد حادثة من حوادث عديدة تقع بين الفينة والأخرى في مطارات المملكة المختلفة لركاب الخطوط السعودية، وليس صحيحاً ما قاله المدير المناوب أن هذا خلل طارئ إذ أن الرحلات الداخلية كثيراً ما تتأخر قبل هذا التاريخ وربما بعده، ومن عنده شك فليأخذ عينة ممن يعرفهم وليسألهم عن حال الخطوط الجوية السعودية منذ سنة مثلا وحتى هذا التاريخ وسوف يجد العجاب!!،
بصدق كانت النية عندي التزام الصمت لأنني أعرف أن صوتي لن يسمع وربما كان أثره سلبيا إذا سمع، ولكن ما جاء في مقابلة الجزيرة مع نائب مدير عام الخطوط الجوية السعودية سعادة الأستاذ عبد العزيز الحازمي من الترحيب بالنقد المحدد غير المعمم دفعني لتسطير هذه الكلمات، إضافة إلى قوله ما نصه: (... وأؤكد لكم أن الاهتمام بالعميل هو المحور الأساسي والمهم في أجندة الاجتماعات الدورية لكل الأقاليم المحلية والدولية...) (ف»السعودية» الآن تهتم وتركز على الاهتمام بكسب العميل في المقام الأول) طبعاً ليس الخارجي فحسب إذ العبارة كما هو معلوم بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
سعادة الأستاذ الحازمي هذه حالة بعينها فيها:
- عدم المصداقية في المعلومة إذ أن التأجيل لم يكن واضحاً للعميل فالفارق بين توقيت الإقلاع المبرمج والحقيقي فارق كبير أكثر من 6 ساعات، لماذا لم يخبر العميل منذ البداية بأن الإقلاع لن يكون إلا بعد الساعة الرابعة فجراً؟.
- أين الرعاية الحقيقية لمن هم على الكراسي المتحركة طوال هذه الوقت وعددهم في هذه الرحلة 4، وكذا الأطفال وكبار السن فضلاً عن المرضى والنساء والمحتاجين بل أين الاهتمام بالجميع وهم في حالة انتظار وترقب، وأقل حقوقهم الاعتذار لهم وإعطائهم المعلومة الدقيقة وضيافتهم.
- كيف يعطي طاقم الطائرة أن الطائرة جاهزة للإقلاع ويكتشف الكابتن بعد أن ركب الراكب خلاف ذلك، أعلم أن هذه مسؤولية فريق الصيانة ولكن لماذا لا يتم التنسيق وتكون المسألة ويكون اكتشاف الخلل من الملاحين قبل كل هذا العناء؟
بقي أن أشكر الركاب على اختيارهم السعودية فهو اختيار موفق وأفضل نسبياً وفي بعض الأحيان من السيارة وربما كان العكس هو أفضل، والشكر موصول لسعادة الدكتور سلطان السديري المدير التنفيذي لمركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة الذي كان رفيق الرحلة وقد جاء إلى حائل ليطرح برنامج الوصول الشامل والذي يستهدف تسهيل وصول المعاق بسهولة ويسر إلى أماكن الخدمات كالمباني والمساجد والأسواق وغيرها للاستفادة ممّا يقدم لكي يكون عضواً فعالاً في المجتمع. فطرح بين يدي صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز أمير المنطقة وأعضاء المجلس إشكالية الوصول لحائل، والقاسم المشترك بين مشروعه الذي جاء من أجله وما حدث لنا وله في ذلك المساء الإعاقة عن الفاعلية الحقيقية في التنمية الوطنية وإلى لقاء والسلام.