الشيخ زيد بن عبدالرحمن بن زيد السويداء من مواليد مدينة الروضة في منطقة حائل عام 1332هـ، عاش فيها كل حياته عدا فترات قصيرة، إحداها بالمستجدة على بُعد 30 كيلاً جنوب الروضة، وثانيها بحائل نحو ثلاث سنوات، ثم انتقل إلى الرياض حيث أمضى فيها آخر عمره حتى لاقى وجه ربه - عز وجل - ليلة الخميس 20-6-1431هـ الموافق 3-6-2010م بعد أن أشرف على المائة؛ إذ بلغ 99 سنة. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
|
إنه لنعم الأب الرحيم الودود، المربي الفاضل، رغم أنه لم يتعلم إلا في مدرسة الحياة؛ فقد ربى أبناءه التربية الطيبة، إنه نعم الأب والقدوة الحسنة؛ فقد كان رحيماً بأبنائه، يلاطفهم ويداعبهم ويتغنى بأسمائهم عندما يكونون صغاراً، ولم يقتصر ذلك على أبنائه، وإنما شمل أحفاده وأسباطه.وكان صبوراً بما تعنيه هذه الكلمة، صبوراً على كل شيء، على ظروف الحياة القاسية التي كانت سائدة قبل ستين عاماً من شظف العيش وشح الأرزاق من آثار الحرب العالمية الثانية، وكان جسوراً على العمل الذي يقوم به، من أعمال الفلاحة وغيرها، لا يجد الملل إلى نفسه سبيلاً.وكان مخلصاً كل الإخلاص للعمل الذي يقوم به في أي مجال، لا يتهاون أو يتوانى فيما يقوم به، يتصف بالشهامة والمروءة والفزعة، لا يمكن أن يستنجد به أحد إلا قال: أبشر بسعدك، أو «يا حياك» أي أنني معك قلباً وقالباً، وتبرز مروءته بالمبادرة بعمل المعروف أو المساعدة لمجرد أن يشعر أن هذا الإنسان بحاجة إلى هذه المساعدة، سواء أكانت مادية أو معنوية، وأحياناً يكون في عمله حتى إذا سمع من (ينخاه) أو يستنجد به (تكفى يا زيد) أو (تكفى يابو عبدالرحمن) فإنه يترك العمل الذي بيده ويهب لمساعدة من استنجد به حتى ولو كان الأمر صعباً، وكان كريم المحيا والكف، يعطي ويبذل مع قلة ذات اليد، ولكن بقدر المستطاع، وأحياناً بما فوق المستطاع، حتى لو أخذ ذلك بالدين من الآخرين حتى يوفي سجية الكرم عنده. كان حليماً لا تستثيره الآراء والمعارضات، بل إنه كان يتمثل بما يناسب ذلك من الشعر الذي يحفظه، ويسكت، شديد الجَلَد والصبر على العمل، كان يباشر عمله بفلاحته قبل أذان الفجر بثلاث ساعات حتى قبيل الظهر، وكان قوي العزم، إذا أراد تنفيذ عمل ما لا تثنيه عن عزمه المعوقات، فهو كما قال الشاعر:
|
إذا هم ألقى بين عينيه همه |
ونكب عن ذكر العواقب جانبا |
كان أنيس المجلس، لطيفاً في حديثه مع جلسائه، يحفظ كثيراً من الشعر والقصص والأمثال، وقد استفدتُ منه كثيراً فيما كتبت، يحرص على حفظ الأمثال والأشعار، ويطرب للشعر؛ فهو شاعر له العديد من القصائد الجيدة، إلى جانب مقطوعات من الشعر اللطيف ليس هذا مجال إيراد شيء منها، حتى في أخريات حياته عندما أجلس عنده وأنشده بعض القصائد أو الأبيات فإنه ينصت لها بكل حواسه، ويسألني مَنْ القائل؟ فإذا أخبرته قال: هذا شبيه بقول فلان أو الشاعر فلان، وأتى بما يشبه البيت الذي أوردته، ويحفظ كثيراً من أنساب الأسر في كل من مدينة الروضة وبلدة المستجدة اللتين عاش فيهما من الذكور والإناث، وإذا أردت مؤانسته قبل أن يثقل سمعه أورد بيتاً أو قصيدة أو (سالفة) أو أسأله عن أسرة معينة فيكون ذلك نبشاً لذاكرته، وهنا ينطلق في الحديث وإيراد القرائن لما أثرته، ونمضي السويعات الجميلة الممتعة معه.
|
وكان حييناً عن طلب شيء من الآخرين، وإن طلب أحد منه شيئاً غلبه الحياء فأعطاه، وكثيراً ما يستعار منه بعض الحاجات والأعراض ويستحي أن يطلبها ممن استعارها؛ فتذهب على وجهها فتكون أولها عارية وآخرها عطية. وكان وصولاً للرحم والأقارب لا يتوانى في نفعهم مادياً ومعنوياً، وأذكر أن محصول فلاحتنا يوزعه على أقاربه وجيرانه من فاكهة وخضار وتمور، ولا يبيع منه شيئاً، ومن باب صلته للرحم والأقارب أذكر أنه إذا نزل إلى حائل يمر على أقاربه من بني العم والأخوال واحداً واحداً في بيوتهم يسلم عليهم، وله العديد من الأصدقاء من كثير من الناس، وقليل من يكرهونه، منذ أن كان شاباً كان مرحاً محبوباً عاش فترة الشباب مع ثلة من رفاقه في مرح الشباب ونشوته وحبوره، وكان مكافحاً عصامياً؛ حيث اغتاله اليُتْم وعمره نحو سبع سنوات حين مات أبواه، واستطاع بتوفيق الله ثم قوة تصميمه أن يشق طريقه في الحياة مثل غيره ممن عاشوا تلك الفترة؛ فقد شارك غزوات توحيد المملكة العربية السعودية حين اشترك في غزوة الأمير عبدالعزيز بن مساعد بن جلوي آل سعود - رحمه الله - لعودة أبوتايه التي كللت بالنصر، وفوق هذا كله كان قوي الإيمان بربه - عز وجل - شديد التمسك بدينه منذ أن اكتهل، وأذكره أنه كان يصلي في الثلث الأخير من الليل حتى إذا أذن الفجر ذهب إلى المسجد لحضور الصلاة فيه، وكان وهو يسير للمسجد بين الفينة والأخرى يرفع صوته بالتهليل والتكبير بصوت مسموع، ويحفظ من القرآن الكريم من الجزء الأخير ما يستطيع أن يقرأه في الصلاة، وقد عشت في كنفه أكثر من ستين سنة؛ حيث باشرت العمل إلى جانبه وعمري ثماني سنوات للحصول على لقمة العيش، وكنت ساعده الأيمن، وكان زاهداً في المال إلا بمقدار حاجته الضرورية، وعندما كان يعمل أجيراً كان يأتي بأجرته ويعطيها لأخويه سالم الذي يكبره وسعود الذي يصغره - رحمهما الله -.وكان صادق الرؤيا في كثير من الأحيان؛ فقد صدق من رؤاه ثلاث، إحداها في ارتفاع الأسعار عام 1384هـ، والثانية رؤيا تخصني، والثالثة رؤياه بانهيار الأسهم، وقد أشرت إليها في كتاب فتافيت. وليلة علمت بوفاته قلت:
|
طار الكرى من جفوني واستوى السهر |
ودمعة رقرقت تطفو وتنحدر |
ولم يكن جزعاً من حكم خالقنا |
فكل حي لمثل اليوم ينتظر |
آمنت بالله واستوثقت عروته |
فلا اعتراض لحكم خطه القدر |
هذا موجز مختصر لسيرة والدي التي تفاصيلها تملأ الصفحات. رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.
|
عبدالرحمن بن زيد السويداء |
|