Al Jazirah NewsPaper Wednesday  23/06/2010 G Issue 13782
الاربعاء 11 رجب 1431   العدد  13782
 
أميركا اللاتينية وهدوء ما قبل العاصفة
خورخي كاستانيدا

 

إن التأرجح الأبدي الذي تتسم به السياسات الجغرافية في أميركا اللاتينية أصبح الآن أكثر نشاطاً وحيوية من أي وقت مضى. فقد أصبحت مجموعة البلدان التي يطلق عليها «الدول الأميركية-1» - تلك الدول التي إما تقف على الحياد فيما يتصل بالمواجهة بين الولايات المتحدة والرئيس الفنزويلي هوجو شافيز (وكوبا) أو تعارض علناً ما يطلق عليه «الحكومات البوليفارية في بوليفيا وكوبا والإكوادور ونيكاراجوا وفنزويلا - أصبحت في تقدم تدريجي بطيء. أما مجموعة البلدان التي يطلق عليها «الدول الأميركية-2»، والتي تنتمي إلى اليسار الراديكالي فهي في انحسار معتدل، ولكنها ما زالت قادرة على الحفاظ على مواقعها وإلحاق الهزيمة بأي محاولة لصد نفوذها.

لقد انعكس اتجاه المد في جزء منه لأن الناخبين في الانتخابات الأخيرة تحولوا كما يبدو من يسار الوسط إلى يمين الوسط، أو على الأقل أعادوا التأكيد على قناعاتهم الأكثر تحفظاً. ففي شيلي عمل رجل الأعمال والديمقراطي المنتمي إلى يمين الوسط سباستيان باينيرا على وضع حد لأكثر من عشرين عاماً من حكم يسار الوسط (تحالف الأحزاب من أجل الديمقراطية). ولكن هذه السياسات المحلية، المقيدة بالزلزال الشديد الأخير وتفويضه القاصر، لا تختلف إلا قليلاً عن تلك السياسات التي تبناها من سبقوه، على الأقل في الوقت الراهن. والتغير الرئيسي في السياسات كان مقتصراً على السياسة الخارجية، حيث نجح باينيرا، ولو اسمياً على الأقل، في نقل شيلي من معسكر إلى آخر.

والوضع في كولومبيا مماثل. حيث من المرجح أن يلاحق الفائز المحتمل في انتخابات الإعادة في السادس والعشرين من يونيو/حزيران، وهو خوان مانويل سانتوس، من المرجح أن يلاحق أغلب السياسات الداخلية التي تبناها الرئيس المنتهية ولايته ألفارو أوريبي، ولكنه قد يغير مسار السياسة الخارجية قليلا. وسوف يكون أكثر عدوانية على الأرجح في الاستجابة للتحديات التي تفرضها فنزويلا المجاورة، سواء على الحدود أو في المنطقة بأسرها.

كان أوريبي يميل إلى التراجع عن حافة الهاوية كلما استفز شافيز كولومبيا، وكان عازفاً تمام العزوف عن ملاحقة ملاجئ القوات المسلحة الثورية الكولومبية في فنزويلا. أما سانتوس فقد يكون أقل رغبة في تجنب المواجهة، ولو لم يكن ذلك راجعاً إلا إلى العداء الشخصي العنيف بين الزعيمين. ومن المرجح أن يكون أكثر قوة في الاجتماعات الإقليمية في الرد على شافيز، بسبب اقتناعه بأن دعم فنزويلا لمحاربي القوات المسلحة الثورة الكولومبية أكثر وقاحة من أن يتجاهله، وأنه من الحكمة أن يواجهه عاجلاً وليس آجلا.

وفي الوقت نفسه سنجد أن نيكاراجوا أصغر وأفقر من أن تمثل تهديداً لأي جهة، ولكنها تعمل دوماً على توليد المشاكل التي تتجاوز حجمها. ويسعى الرئيس دانييل أورتيجا إلى إبقاء نفسه في منصبه إلى الأبد إن أمكنه ذلك، وهو يبدو مستعداً للاستعانة بكل حيلة ممكنة لتحقيق غاياته، بداية من تزوير الانتخابات إلى حل الكونجرس والسلطة القضائية.

وهذا من شأنه أن يشكل تحدياً كبيراً لمجتمع نصف الكرة الغربي إن عاجلاً أو آجلا. ولكن هل يتغاضى مجتمع هذه البلدان عن المحاولات التي تبذلها دولة صغيرة لتدمير ديمقراطيته وخرق تعهداته الدولية وانتهاك حقوق الإنسان؟ إذا كان الأمر كذلك فإن مجتمع نصف الكرة الغربي سوف يبرهن بشكل واضح على عدم تماسكه، وخاصة إذا ما أضفنا إلى ذلك لغزاً آخر: هندوراس.

الواقع أن منظمة الدول الأميركية علقت عضوية هندوراس في العام الماضي بسبب الانقلاب الذي أطاح بالرئيس مانويل زيلايا ونفاه من البلاد. ولقد ذهب شافيز وحتى الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات اقتصادية على الحكومة المؤقتة نظراً لتعطل الحكم الديمقراطي. وفي السابع من يونيو/حزيران تمكنت البلدان «البوليفارية» من منع عودة هندوراس إلى منظمة الدول الأميركية، على الرغم من الانتخابات الحرة النزيهة التي أجريت هناك في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ما العمل إذن؟ هل نتجاهل الانهيار الديمقراطي الوشيك في نيكاراجوا، وغياب أي شكل من أشكال الديمقراطية في كوبا؟ أم هل نطبق على نيكاراجوا وكوبا وفنزويلا نفس المعيار المطبق على هندوراس؟

من المؤسف أن البلدين الوحيدين القادرين على الاضطلاع بدور مهم في إصلاح النظام الذي يحكم الأميركيتين ونزع فتيل التوترات المتنامية بين كولومبيا وفنزويلا سوف ينتهجان سياسة سلبية لأسباب مختلفة. فالمكسيك مستغرقة في حربها الفاشلة ضد المخدرات، والتي كلفتها أكثر من 25 ألف قتيل، والتي نجحت طبقاً للإحصائيات التي نشرتها حكومة الولايات المتحدة مؤخراً في ردع مهربي المخدرات الكولومبيين، ولكنها أدت إلى تعزيز الإنتاج المكسيكي للهيروين والماريجوانا والميتامفيتامين.

ولم يكن الرئيس المكسيكي فيليبي كالديرون راغباً على الإطلاق في توريط نفسه في النزاعات والمواجهات الإيديولوجية في أميركا اللاتينية. ومع اقتراب ولايته من نهايتها (الانتخابات الرئاسية المقبلة تحين بعد عامين)، فسوف يكون أقل ميلاً إلى توريط المكسيك في مغامرات خارجية.

والبرازيل مشلولة على نحو مماثل. ويرجع ذلك جزئياً إلى الحملة الانتخابية الرئاسية الجارية في البلاد الآن على قدم وساق والتي لن تنتهي إلا بحلول نهاية العام، كما يرجع جزئياً إلى الانتكاسات الدبلوماسية الأخيرة. ولقد سعى الرئيس لويز ايناسيو لولا دا سيلفا إلى قذف بلاده إلى الساحة العالمية باعتبارها قوة ناشئة، ولكن مساعيه لم تلق النجاح المطلوب. والآن بات هدفه الرئيسي - الحصول على مقعد دائم للبرازيل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة - أبعد من أي وقت مضى، كما لم يتمكن من بلوغ أهدافه الأكثر تواضعاً بقدر أعظم من النجاح.

كما فشلت المحاولة التي بذلها لولا إلى جانب تركيا للتوصل إلى اتفاق بين إيران والغرب، عندما تمكنت الولايات المتحدة من إقناع روسيا والصين، وبلدان أخرى مثل المكسيك، بالموافقة على جولة جديدة من العقوبات ضد إيران. وانتهى الأمر إلى تصويت البرازيل وتركيا فقط ضد العقوبات، ومن دون أي اعتبار لجهود الوساطة التي بذلت من قِبَل البلدين.

كانت البرازيل مترددة دوماً في توريط نفسها في النزاعات المحلية بين جيرانها. والآن بعد أن غامرت بالوقوف في صف الجانب الآخر من العالم وبأداء رديء، فمن غير المرجح أن تكون راغبة في ملاحقة مشاريع أخرى غير مجدية، مثل إصلاح منظمة الدول الأميركية، أو ردع المزيد من المواجهة بين فنزويلا وكولومبيا، أو ضمان انتخابات حرة ونزيهة في نيكاراجوا.لذا، ففي حين قد تتمكن أميركا اللاتينية من الاستمرار في الصمود في وجه العاصفة الاقتصادية العالمية، فلابد وأن ندرك أن حالة السلام والهدوء الدبلوماسي السائدة الآن مضللة وخادعة. وهناك عدد لا يحصى من العواصف التي قد تنهي هذه الحالة.

وزير خارجية المكسيك الأسبق.
خاص بـالجزيرة


 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد