فكرة مدهشة، تلك التي ناقشها الكاتب معتز قطينة في كتابه الذي عنونه ب»الجنسية». حكاية من آلاف الحكايات التي نراها، ونسمعها، ونعيشها، لكني في الوقت ذاته، أقرأها للمرة الأولى. إنها حكاية (الفلسطيني) الذي كُتب له أن يعيش في أصقاع العالم بعيداً عن أرضه، يعيش بيننا ليُشعرنا كل يوم وكل ساعة بالعار الذي نحمله على أوزار ضعفنا.
حصلت على هذا الكتاب وأنا بين ردهات معرض الكتاب الذي أقيم في الرياض قبل ثلاثة أشهر، فاجأني ذلك الشاب الذي قصدني ومدَّ لي كتابه الأخضر ممهوراً بإهداء لطيف، لم أفهم حقيقة هوية الكتاب من عنوانه، هل هو رواية؟ أم فضفضات أدبية؟ لفت نظري لونه الذي يشبه جواز السفر السعودي وهامة صفحاته التي تحمل رقم الجواز. ما إن شرعت في قراءته إلا وقد تبين لي أنه يدخل ضمن تصنيف (السيرة الذاتية) هكذا تبين لي، مع أني لا أملك أي معلومات مسبقة عن الكاتب سوى بعض أبيات من الشعر سبق أن مررت بها عبر الشبكة العنكبوتية مذيلة باسمه.
وأنا أقرأ هذا الكتاب، بدأت تطوف ذاكرتي بمن مروا عليها من الفلسطينيين، قد لا نشعر بالأمر ونحن نعيشه، إلا أن معتز قطينة في كتابه هذا استطاع وبكل براعة أن يدخلني كقارئة في صراع الإنسان «الفلسطيني» تحديداً، والشاب خصوصاً، الذي لم يعرف وطناً غير الأرض التي عاش عليها، التي امتصت -مع كل يوم مضى من عمره - ولاءه وحبه ووطنيته الحقيقية، الوطنية التي تخرج من بين شقوق الأرض وأنفاس أهلها وهواء سمائها، من هنا، تخرج الهوية الحقيقية التي برع في تصويرها الكاتب مع (المرأة السمراء) التي خرجت له على خط الحدود، ووقفت إلى جواره بلا قدمين، تكتب بيدها اليمنى «فلسطين» وبيدها اليسرى «السعودية» لتهديه الخيار وهو واقف مذلول على حدود وطنه المسروق، ويكرر الكاتب مشهد تلك (المرأة السمراء) في كل صراع يعيشه عندما تطرح عليه القوات الصهيونية الغاشمة أن يختار، بين أن يبقى في فلسطين المسلوبة، أو يعود إلى السعودية للأبد.
يطرح أيضا معتز قطينة، عدداً من القضايا، بطريقة سهلة وسلسة وأسلوب قادر على التشويق، حياة الفلسطينيين داخل السعودية كنموذج للفلسطيني في المهجر وخارج الحدود، واصفاً شيئاً من أحاسيسهم، والكثير من قضاياهم، خصوصاً، وأن هناك بعض الصعوبات التي قد تواجه الفلسطيني في الدول الأخرى مثل: التعليم والمدارس الحكومية، في مشهد لا يخلو من البراعة والإتقان يصور ذلك الطفل المكسور الذي يشاهد الأطفال صباحا يحملون حقائبهم إلى مدارسهم، في حين أنه لم يحصل بعد على (الواسطة) التي تؤهله للانضمام إلى مدرسة حكومية. أيضاً الحياة المعزولة لبعض الأسر الفلسطينية التي اتخذت موقفاً سلبياً من التداخل أو الاقتراب من الأسر السعودية، شرحه الكاتب وصوره في مشهد بديع عندما انجذب الطفل الفلسطيني ل»نايف» الطفل السعودي، مع أن اقترابه منه يعد من الممنوعات في عرف أسرته، لكنه في الوقت ذاته جعل للقارئ حرية البحث، فلم يضع السبب الذي قد يجعل بعض الفلسطينيين لا يألفون بعض السعوديين، مع أنهم يعيشون معهم في أرضهم.
كتاب «الجنسية» هو إبداع شبابي، يدور داخل فكرة حقيقية مبتكرة، كما قلت في بداية هذا المقال، نراها، ونسمعها، ونعيشها، لكن في قراءتها عمق حقيقي لمشاعر طبيعية من كل الاتجاهات.
www.salmogren.com