رغم أن رد الفعل المعلن من الإدارة الأمريكية اتّسم بالتحفّظ وضبط النفس، فإن المسؤولين الأمريكيين أعربوا، خلف الأبواب المغلقة، عن استيائهم الشديد، ليس بسبب هجوم إسرائيل على «أسطول الحرية» فقط وما سيصاحبه من فرض المزيد من العزلة عليها، وإنما بسبب توقيت المجزرة الإسرائيلية، الذي جاء في وقت تحاول فيه واشنطن تحريك عملية السلام المجمّدة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
بعد حرب 73 التي حقق العرب فيها انتصاراً تاريخياً بدأت إسرائيل بالعمل على تقديم نفسها على الساحة الدوليّة كضحيّة تدافع عن نفسها في مواجهة أعداء متربّصين بها باستمرار، وذلك من أجل أن تكسب تعاطف شعوب العالم ومساندتها.. مستخدمة الصورة لتقديم نفسها كدولة متحضّرة، في نفس الوقت وعلى النقيض اجتهدت لتشويه صورة العرب، واستطاعت من خلال ذلك أن تحقّق مكاسب سياسية كبيرة، وهذا يُعتبر أحد الجوانب المهمّة في الصراع العربي - الإسرائيلي، حيث أعطت إسرائيل اهتماماً كبيراً لصورتها النمطية في العالم، خصوصاً في وسائل الإعلام.
حماقة الاعتداء الدمويّ على «أسطول الحرية» في المياه الدوليّة في عرض البحر الأبيض المتوسط، أوجدت وضعاً صعباً لصانعي صورة إسرائيل في العالم في ظلّ الانتقادات الدولية الكبيرة لهذا الاعتداء، وهي الانتقادات التي لم تقف عند المستوى الرسمي فقط، وإنما امتدّت إلى الجانب الشعبي من خلال العديد من التظاهرات الشعبيّة التي اندلعت في بلاد عديدة حول العالم للتعبير عن الغضب والصدمة جراء استهداف مدنيين عزل كانوا يقومون بمهمّة إنسانيّة.
لقد حان الوقت للجانب العربي، والاستفادة من الفرصة على المستويات الإعلاميّة والسياسيّة والدبلوماسيّة، من خلال التحرّك المنظم للكشف عن صورة إسرائيل الحقيقية في العالم بصفتها دولة تقتل المدنيين الأبرياء، ولا تضع أيّ اعتبار لقواعد القانون الدولي أو الإنساني، وتصرّ على محاصرة مليون ونصف المليون فلسطيني، وتجويعهم، ومنع أيّ محاولة لتخفيف المعاناة عنهم.
تأكيد أن إسرائيل تمثّل، من خلال سياساتها العدوانيّة، تهديداً مباشراً للأمن والاستقرار، ليس في منطقة الشرق الأوسط فقط، وإنما في العالم كلّه، ومن ثمّ فقد حان الوقت للتصدّي لها، ومنعها من التمادي في هذه السياسات، وعدم الاكتفاء بمظاهر التنديد اللفظي أو الاحتجاج السياسي فقط.
كشف حقيقة جيش إسرائيل الذي تدّعي تل أبيب أنه يراعي قواعد الاشتباك الحضارية في التعامل مع المدنيين، حيث كان الاعتداء على «أسطول الحرية» اعتداءً وحشياً على مدنيين عزل بعيداً كلّ البعد عن التزام أي من القواعد المعروفة والمستقرّة في القانون الدولي في التعامل مع المدنيين.
إن المعارك والحروب لا يتم كسبها في ميادين القتال والسياسة فقط، والميدان الإعلامي لا يقلّ خطورة وتأثيراً، في عصر ثورة الاتصالات والمعلومات.. ومن المهم أن يكون هناك تحرك عربي إعلامي متّسق على الساحة الدوليّة لتحقيق أكبر استفادة من الغضب الدولي العارم تجاه العدوان على «أسطول الحرية»، حتى لا تظلّ إسرائيل قادرة على الدوام على تحسين صورتها في العالم، وتشويه صورة الآخرين.