Al Jazirah NewsPaper Tuesday  22/06/2010 G Issue 13781
الثلاثاء 10 رجب 1431   العدد  13781
 
ودقت الساعة الثامنة
شريف الأتربي

 

بدد رنين هاتف المنزل السكون المحيط به ليعلنه بضرورة التواجد في مقر الشركة المرشح للعمل بها مع دقات الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي، فقد اعتذر أحد المرشحين للعمل وكان هو التالي على قائمة الانتظار، وسيكون آخر المقابلين. لم يصدق، تخيل أنها مزحة أو دعابة من أحد الأصدقاء، فقد تعود على مقالبهم، أهمل ذلك وأخذ يفكر في موعده وكيف انتظره طويلاً، لقد تخرج من الجامعة قبل خمس سنوات ولم يجد ما يفعله سوى الالتحاق بأعمال ثانوية في كثير من المجالات، ولكنه لم يجد نفسه أبداً في واحد منها. كان يحب تخصصه، فلقد حرص منذ صغره على أن يقرأ عنه وينمي معلوماته فيه، وحين ظهرت نتيجة الثانوية العامة كان جل همه أن يكون له مكان في أي جامعة تدرس هذا التخصص.

لقد شغله دائماً حب إدارة الأعمال، كان واقعه الفقير دافعه ومحركه وملهمه للالتحاق بهذا التخصص.

كان يحلم دائماً أنه يدير إمبراطورية من الشركات تحمل اسمه واسم أبيه الذي مات قبل أن يحقق حلمه.

كان يمارس إدارة الأعمال في كل الأشغال التي التحق بها، ولم يرق لأحد من أصحابها طريقته في العمل، فقد كانت أعمالهم لا تحتاج كل هذا العلم الذي يتمتع به.

فتح خزانة ملابسه أو ما يسميه بذلك وهو ليس كذلك فهو مجموعة من قطع الخشب مختلفة الألوان جمعتها أمه وإخوته وثبتوها بمسامير حتى يكون للأستاذ - كما يحلو لهم أن ينادوه - خزانة تحفظ أشياءه، لم يجد في الخزانة سوى قميص واحد دأب على ارتدائه كلما همَّ بالالتحاق بعمل جديد.

أخذ القميص وجرى مسرعاً إلى جاره سعيد الكواء وطلب منه أن يحرص عليه، وقد أدرك سعيد أنه ذاهب لمقابلة مهمة منذ أن رأى القميص في يده، لقد كان سعيد يحبه ويحرص أن يظهره بأحسن مظهر بأقل الإمكانات فلم يتأخر عن مساعدته يوماً.

أخذ يتفحص ملابسه فوجد بنطاله في حال يرثى لها، غسله وتابعه حتى اكتمل جفافه، حمله مسرعاً لعله يلحق سعيد قبل إغلاق الدكان.

بقي الحذاء فكانت الصبغة السوداء خير دواء لتغيير معالم الاهتراء الواضحة عليه.

اكتملت متطلبات المظهر الخارجي، وبقيت المعلومات التي اعتلاها الصدأ في المجال لعدم الاستخدام، فتح بعض الكتب يريد استرجاع ما ضاع من قلة الاستفادة منها.

لم ينم تلك الليلة رغم اقتراب الساعة من الواحدة ليلاً، يحاول أن يغلب تفكيره، جاءه النوم فجأة فرحم عقله من تخيلاته وهواجسه. استيقظ عند السادسة صباحاً، ظن أنه تأخر، ارتدى ملابسه وجرى مسرعاً فالمشوار بعيد، ركب أكثر من وسيلة مواصلات حتى وصل إلى مقر الشركة، طالع ساعته ووجدها تشير إلى الثامنة إلا خمس دقائق، اطمأن قلبه، ارتقى درجات السلم مسرعاً ولم ينتظر المصعد، تعالت دقات قلبه خوفاً، أخيراً أصبح أمام باب الشركة، الباب مغلق، دقَّ الجرس بهدوء ثم طرق الباب بعنف، أحلامه تتهاوى أمامه، كل شيء ينهار، استمع إلى دقات الساعة من خلال المذياع المجاور، المذيع يعلن عن نشرة أخبار التاسعة صباحاً حسب التوقيت الصيفي.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد