أسعد أن أكرر طلبي مرة أخرى إلى أمين منطقة الرياض, الذي عرفناه بالتطوير والتجديد وحب العمل ومحاربة الخطأ والتقصير.. حتى ازدهرت الرياض بتلك المشروعات العملاقة والبرامج المميزة، ولن أستطرد في ذكرها فهي معلومة عند الجميع, إلا أني أركز حديثي عن فوضى المقابر!! نعم, فوضى وتأمل جميع المعاني التي تنطلق من كلمة (فوضى) وأضف إليها (عبث), فيوم الخميس الموافق 5-7-1431هـ توجهت للصلاة على أحد المتوفين من الأقارب بجامع الراجحي بحي الجزيرة ثم توجهنا إلى مقبرة النسيم لندفن الجنائز.. ودعوني أفصل لكم الأحداث:
كان يقف عند البوابة للمقبرة أشخاص مختلفون منهم من يظهر عليه حارس أمن والآخر بثوبه وغترته والآخر عامل يقوم بالسلام على من في السيارات.. المهم لم يتبين لي لماذا يقفون؟ ومن يكونون؟ وبعد دخولي لا أدري أين أتوجه فتجدنا نذهب يمنة ويسرة ونلتفت من هنا وهناك حتى تتفرس وتخمن أن هناك مكان دفن الجنائز فتتوجه إليه, ثم توقف سيارتك بأي مكان فارغ ولو على قبر من القبور لأن سيارتك تدخل إلى ما تريد وأنت تشعر أو لا تشعر!!
اجتهدت في إيقاف سيارتي في مكان لا يضايق الآخرين ولا يقطع الطريق ولم أجد من ينظم ذلك من مسئولي المقبرة! ولعل الاستقبال الحافل عند البوابة شغلهم عن تنظيم مواقف السيارات!! بعد ذلك توجهت إلى أماكن الدفن فإذا بأشخاص ملتحين وبثياب رثة جدا, يستقبلون الجنائز ويلزمونهم بوضعها في مكان ما من أجل الصلاة عليهم ويوقفون جميع الجنائز حتى تكتمل فيكثر اللغط بين الناس حتى يبادر أحد الناس بالتكبير والصلاة على الميت أو لم يكن بيننا شجاع يقوم بحمل الجنازة والتوجه به إلى دفنها, يقوم هؤلاء الأشخاص (المجهولون) بإلزام الناس ببعض الطقوس الغريبة وإلزامهم باختيار القبور من غير دراية بما يناسب الجنازة حتى أن إحدى الجنائز انتقلت بين ثلاثة قبور بسببهم, لم ينته دور هؤلاء الأشخاص المجهولون بل تجدهم يتوزعون على القبور ويدعون المعرفة والعلم ثم يقومون بالتوجيه والأمر والنهي والعتاب بأسلوب عشوائي يمتلئ همجية وسذاجة, وأستغرب من وجود أشخاص من خارج البلاد كيف يأتون للتفرغ لمثل هذه الأعمال ويتركون أعمالهم الرئيسة التي من أجلها أقاموا بالبلد؟!
وأثناء الدفن يمر عليك هؤلاء للتذكير والوعظ والاستعطاف بأسلوب فقير ولغة مكسرة, والناس يلتفتون إليهم باستغراب شديد وكأنهم يقولون: القبر الذي أمامنا يكفي من هذه المواعظ (كفى بالموت واعظا), ثم من يكون هذا الشخص ليقوم بالحديث أمام هذا الملأ هل لديه تصريح أو إذن من الجهات المسئولة بالحديث في هذا المكان العام؟! وبعد كل هذه الفوضى من المجيء والذهاب والأمر والنهي والضوضاء والإزعاج والعبث, نسمع مثل هذه الكلمات: (هاه أبو خالد انتهيت؟ الله يجزاك خير- بشروا - كيف الأمور؟- عسى الأمور زينة.. وغيرها الكثير) ولم يكن لي بعد ذلك إلا أن توجهت لأهل الميت بالعزاء والدعاء وغادرت وانتهت الفوضى.
عفواً يا أمين الرياض: أرجوك تأمل معي ما حصل وكيف يحصل هذا في مكان تشرف عليه أمانة منطقة الرياض ولم أجد أي أحد يحمل بطاقة أو إذنا أو تصريحا بمثل هذه الأعمال.. أليس من واجب الأمانة تجهيز القبور وتوجيه الجنائز المناسبة لها؟! أليس من واجب الأمانة الإشراف على طريقة الدفن والإشراف عليها؟! ثم كيف يتجرأ هؤلاء المجهولون وغيرهم بمثل هذه الممارسات في مثل هذا المكان من غير محاسبة ولا معاتبة ولا متابعة؟!
هل عجزت الجهات المسئولة مثل وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف ومكاتب الدعوة والإرشاد عن مشاركة فاعلة في مثل هذه المواقف لكي لا يتجرأ الجهلة والعابثون بعواطف الناس؟ وناهيك عن وجود أجانب يقومون بهذا الدور لم يوكلوا إليه بشكل رسمي؟ ويا عجبي من أشخاص يدخلون فيسيطرون على الكل ويستجيب لهم الكل ونحن في مكان ننتظر الأمانة أن تقوم بدورها الفاعل حيث لا يكفي فتح الباب والاستقبال ثم الاختفاء.
إن لأمواتنا حرمة يجب أن تراعى ولأنفسنا احترام وتقدير يجب أن يقام, أما هذا العبث وهذه الفوضى وخاصة إذا اقترنت بالعواطف الدينية واستغلال الموقف الحزين بالسيطرة على الناس وعقولهم وربما جيوبهم وأموالهم فهذا لا يقبل أبدا, وأخشى أن يزداد الأمر سوءا وعبثا ففي كل يوم أجدد مجيئي فيه إلى المقبرة أجد الأمر يتفاقم خطورة.
ولعلي أقترح أن يتم التعاون مع الجهات المسئولة المتخصصة بالأمور الشرعية كوزارة الشؤون الإسلامية أو مكاتب الدعوة التابعة لها أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو إنشاء لجنة متخصصة من البحوث العلمية والإفتاء لمتابعة أوضاع القبور والمقابر وتحديد أشخاص موثوقين للقيام بدور الإشراف والتأكد من الدفن بطريقة صحيحة.
كما أوجه طلبا من الجهات الأمنية للتأكد من هؤلاء الأشخاص وعدم السماح لهم بهذه الطريقة العابثة والنظر في الأجانب المرافقين لهم ولا أدري عن أخذهم للأموال والتبرعات فالاحتياط مطلب واعٍ وألا نتعاطف أبدا في أي تجاوزات غير منظمة وربما تستغل استغلالا سيئاً.
أخيراً: الأمل كبير بأمين منطقة الرياض في متابعة أوضاع المقابر من حيث الإشراف والمتابعة والتعاون مع الجهات المتخصصة مع تكوين لجنة متخصصة تتولى التطوير العام لشؤون المقابر من حيث التنظيم والدخول والخروج والصلاة على الجنائز في مكان مناسب وتهيئة المقابر ببعض الخدمات العامة كدورات المياه وبرادات الشرب وغيرها.
غفر الله لجميع أموات المسلمين وأسكنهم فسيح جناته, ووفق الله جميع المسؤولين بتأدية واجبهم والله يرعاكم.
- إمام وخطيب جامع والدة الأمير عبدالعزيز بن فهد بحي الفلاح