الذوقُ العام كلمةٌ جميلة مُوْحِيَةٌ تَحْمِلُ في طياتها معاني اللطفِ، وحُسْنِ المعشر واللفظ، وكمالِ التهذيبِ، وحسنِ التصرفِ، وتجنبِ ما يمنع من الإحراج وجرح الإحساسات بلفظ، أو إشارة أو نحو ذلك.
فهذه المعاني وما جرى مجراها تُفَسِّرُ لنا كلمة الذوقِ، وإن لم تفسرها المعاجمُ بهذا التفسير الملائم لما تعارف عليه الناس، وجرى بينهم مجرى العرف؛ فتراهم إذا أرادوا الثناء على شخص بما يحمله من المعاني السابقة قالوا: فلان عنده ذوق راقي، أو هو صاحب ذوق.
وإذا أرادوا ذمَّه قالوا: فلان قليل الذوق، أو ليس عنده ذوق، وهكذا...
فالذوق بهذا الاعتبار داخلٌ في المعنويات أكثر من دخوله في الحسِّيات كذوق الطعام والشراب.
الذوق العام..
قواعد السلوك وآدابه.. قواعد التشريفات وآداب الرسميات.. الأصول واللياقة.. فن الملاطفة.. الخصال الحميدة.. فن التصرف في المواقف المحرجة... وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (الآداب الذوقية الراقية) وهو ما يعرف ب( الذوق) الإسلامي العام في السيرة المطهرة.
الذوق في السلام
وحرص النبي على ترطيب اللقاء ببدئه بالسلام بقوله: (إذا التقيتم فابدؤوا السلام قبل الكلام، فمن بدأ بالكلام فلا تجيب).
قال صلى الله عليه وسلم: (يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير ويسلم الصغير على الكبير) صحيح البخاري.
الذوق في الكلام
وقد سار الصحابة رضي الله عنهم على هذا المنوال، فيروى أن أحد الأشخاص حلم ذات يوم بأن أسنانه كلها تساقطت فانزعج، وطلب مفسراً للأحلام! فقال له: (إن جميع أقربائك يموتون قبلك)، فتشاءم الرجل، ثم أحضر مفسراً آخر فقال نفس القول فزاد تشاؤمه، حتى جاء الثالث وكان ابن سيرين رحمه الله, فقال: (إنك ستكون أطول أقربائك عمراً إن شاء الله تعالى), فأحسن إليه بجائزة مع العلم أن مضمون الآراء الثلاثة واحد.
الذوق في السلوك
وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن ندخل ونخرج من البيت بالتلطف وحسن التصرف، إذا دخلت دارك أو خرجت منها، فلا تدفع بالباب دفعاً عنيفاً، أو تدعه ينغلق لذاته بشدة وعنف, فإن هذا مناف للطف الإسلام الذي نتشرف بالانتساب إليه، بل أغلقه بيدك إغلاقاً رقيقاً، ويأتي المعنى فيما روته السيدة عائشة رضي الله عنها من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه) رواه مسلم.
?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ?(27) سورة النور.
نهى النبي عن الجلوس في الطريق فقال: (إياكم والجلوسَ على الطرقات) فقالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال صلى الله عليه وسلم: (فإذا أبيتم إلا المجالس؛ فأعطوا الطريق حقها). قالوا: وما حق الطريق؟ قال صلى الله عليه وسلم: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر). رواه مسلم. (الاستئذان ثلاثاً فإن لم يؤذن لك فارجع) متفق عليه.
(لا تقفوا أمام الباب ولكن شرقوا أو غربوا).
الذوق في العلاقات
ويحث الرسول صلى الله عليه وسلم، على العلاقات الودية بين المسلمين فيقول: (من عاد أو زار أخاً له في الله ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً). ويعلمنا أيضا ذوق البشاشة: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق).
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (تهادوا تحابوا).
وبيّن صلى الله عليه وسلم ذوق تقديم الورود: قال الرسول صلى الله عليه وسلم (من عرض عليه ريحان فلا يرده، فإنه خفيف المحمل طيب الرائحة).
الذوق في الزيارة
ولم ينس النبي صلى الله عليه وسلم الذوق أثناء زيارة المريض قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا دخلتم على المريض، نفسوا له في الأجل فإن ذلك لا يرد شيئاً وهو يطيب بنفس المريض) صحيح البخاري.
وخلاصة القول:
إن الذوق هو خلق إسلامي حميد ونبوي أصيل قبل أن تنادي به أوروبا أو فرنسا.. فالمسلم الحق هو من يتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم ويعامل الناس كما يحب أن يعاملوه وأحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم.
مستشار قضائي وكاتب وأستاذ أكاديمي وعضو التحكيم والمصالحة