الحمد لله القائل ?يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ? (11 سورة المجادلة)، والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله القائل: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم)، فقد أعلى الله منزلة العلماء ورفع مكانتهم وميزهم عن غيرهم بما يحملونه من علم يتعدى نفعه إلى غيرهم ممن قرب منهم في المكان أو بعد.
كل مجتمع يموج بالكثير من المناقشات والحوارات ولأن هذه البلاد بحمد الله دستورها كتاب الله وسنة نبيه وتحكيم شرعه فإن غالب ما يتعرض له مجتمعها من نقاشات وحوارات يتم الرجوع فيه إلى الكتاب والسنة وإلى العلماء المعتبرين الأحياء منهم وإلى إرث العلماء الربانيين الراسخين في العلم الذين كان لهم الرصيد الكبير من ثقة الناس والاطمئنان إلى أقوالهم، ولا شك أن الرجوع إلى من توفاه الله منهم يستلزم الدقة في النقل لأمور لا تخفى بحيث لا يجتزأ من الكلام ما يوافق الهوى أو أن يقال إنه كان يعلم بكذا ولم ينكر رغم اختلاف الصور، وفي هذا خلل منهجي كبير وإخراج للرأي والفتوى عن سياقها.
وأنا هنا سوف أتحدث عن والدي الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله رحمة واسعة وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، بحكم ما له من حق علي كوالد فقد لاحظت كما لاحظ الجميع أن هناك بعض الإخوة وهم مجتهدون يطرحون آراء لهم ويستندون فيها على ما كان على عهد الشيخ محمد مع اختلاف الصور كما ذكرت وهذا مخالف للأمانة العلمية لأن الأمر يتعلق بفتوى والفتوى أمرها عظيم ونسبة الأمر إلى الشيخ رحمه الله هكذا دون الرجوع إلى مستند من فتوى أو كتاب أو تسجيل أمر لا يسوغ؛ لأن الرأي في هذه الحالة يصبح مجرد فهم من الناقل لا يرقى إلى نسبته إلى الشيخ رحمه الله، فيعتقد المتلقون صحة نسبة هذا الرأي إلى الشيخ فيبنون عليه رأيهم، خاصة وأن الكثير من المتلقين ليسوا ممن يعرفون الشيخ معرفة تامة ليميزوا بين ما يعرفونه عنه وبين ما يطرحه هؤلاء. وتعظم المشكلة عندما يكون الاستشهاد بموقف له أو رأي أو ما كان على عهده رحمه الله دون استيفاء وتشابه شروط وظروف الصورتين فينزلون موقفه رحمه الله في مسألة ليست مطروحة للنقاش البتة على أخرى هي محل الجدل والنقاش، وهذا كما يقول الأصوليون (قياس مع الفارق)، وأنا هنا لا أتحدث عن قضية معينة بل عن المبدأ من أساسه والمنهج غير العلمي في نسبة الآراء إلى الشيخ رحمه الله.
ولعل من المناسب الإشارة هنا إلى أن هناك من يأخذ من فتاوى الشيخ رحمه الله ما يوافق هواه، فالبعض من المتشددين يأخذون ما قد يطرح في مسألة معينة ويغفلون سواها مما لا يوافق الهوى، والآخرون كذلك يأخذون من فتاواه ما يوافق هواهم ويغفلون سواها، مما لا يوافق الهوى وعلى طريقة من يقرأ آية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ} ثم يسكت، وكلا الطرفين مخطئ منهجياً. لذلك آمل من كل من أراد أن يورد أو يستشهد بشيء من كلامه أو مواقفه رحمه الله أن يوثِّق ما ينسبه إلى الشيخ وأن يتحرَّى الدقة وأن يتقي الله في إرث الشيخ العلمي فكل من يعرفه عن قرب يدرك بأن ما يحصل لا يرضيه رحمه الله وغفر له. وأما من أراد معرفة رأي الشيخ في مسألة ما، فعليه أن يرجع إلى فتاواه وإلى ما قرره وعرفه عنه علماء هذه البلاد ومن عاصره رحمه الله.
وفي الختام أود أن أشير إلى أنني لن أرد على أي تعقيب أو رد من أي أحد فيما لو حدث. فالجدل ليس هدفي، بل تصحيح ما قد يعلق في الأذهان من أمور لا تصح نسبتها إليه رحمه الله.
حفظ الله بلادنا وولاة أمرنا الذين عرفوا أن للعلم والعلماء مكانتهم منذ عهد الملك عبد العزيز رحمه الله وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبد العزيز وسمو النائب الثاني الأمير نايف بن عبد العزيز وجعلهم موفقين ومسددين.
- وكيل الرئيس العام المساعد لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر