تعليقاً على مقال بين غزال1 السعودي وتاتا الهندية، الأحد الماضي، تلقيت رداً لافتاً للنظر من أحد الزملاء، يقول فيه:
(.. ارجع لثماني سنوات لترى كم من مبادرة طلت وتبخرت:
- الكمبيوتر السعودي.
- مصنع التلفزيون السعودي.
- المعهد الياباني بجدة، تجهيزا لمشروع تجميع سيارات تايوتا.
- جهاز لاب توب سعودي.
- السوبر الكمبيوتر السعودي.
- الجوال السعودي اللي كان بيصير بأربعمية وتسويقة للحجاج، وغيرها.....).
والحقيقة أن في التعليق ذكريات سريعة لمبادرات طلت، وتحولت إلى قصة إعلامية قبل أن تتلاشى.
لأن الأفكار النظرية والبعيدة عن قوى السوق، لا يمكن لها أن تنافس دون وجود الدفع الاقتصادي، باتجاهين واضحين، جهة المستهلك، المستفيد من السلعة، وجهة المستثمر الذي سيساهم في رأس المال ويبحث عن عائد.
دون وجود هذه المعادلة السهلة، تصبح المبادرات لسعودة الأجهزة والصناعات، مجرد مظاهرات إعلامية تدغدغ وتستهلك شعور الجمهور الوطني، دون أن يتحول أي منها إلى حقيقة وواقع.
والحديث عن غزال واحد، السيارة التي يقال إنها الصناعة السعودية الأولى وبتصميم إيطالي فاخر، يعيد التذكير بالأفكار والمبادرات المشابهة، التي بقيت مجرد عناوين صحفية، عجزت عن النزول للواقع، لأنها ولدت بعيداً عنه، فالواقع يحمل بدائل اقتصادية وعملية منوعة، يصعب منافستها ابتداء من سيارة تاتا الهندية، مرورا بالسيارات الكورية وغيرها الكثير.
ثم، وهذا في اعتقادي الأهم، هل المطلوب من جامعاتنا أن تقدم لنا سيارة أو طائرة سعودية أو غواصة...؟ هل هذا يعد هدفاً بحثياً ودراسياً وإبداعياً..؟
أم أن المطلوب من مراكز الأبحاث في جامعتنا البحث لحلول مصيرية أخرى، تتعلق بالمياه -مثلاً- وتحليتها، وتطوير تقنيات توفيرها واستخدمها وترشيدها، والعالم يتحدث عن أن الحرب القادمة حرب مياه، والأحياء في مدن عدة تعاني من انقطاعها، وتوفرها في أيام طويلة من السنة..؟
اليس الأجدر بمراكز أبحاث جامعاتنا أن توفر مواردها للبحث في علاج لمرضى السكر الذي يعاني منه أكثر من ثلث المجتمع...؟!
كم سيكون مثيراً لو استعدت بحثياً لموضوعات الطاقة البديلة للمستقبل، واتجهت إلى اقتصاديات المعرفة وتطويرها على المستوى المحلي؟
ثم لنفترض أن المصنع أقيم وأنشئ لتصنيع سيارة من هذا النوع، من سيعمل على خطوط الإنتاج، خريجو الجامعات أم الكليات التقنية؟ طبعاً لا، سنتجه إلى استيراد عمالة آسيوية للتصنيع والصيانة، والتسويق..و..و..
قد يبدو غريباً أن نفكر في الصناعات الثقيلة، والعالم الصناعي يتخلص منها لصالح الاقتصادات النامية الكبرى، التي تحولت إلى مركز العمال العالمي الأرخص، فالسيارات الأوروبية والأمريكية تصنع اليوم في الصين وكوريا، وماليزيا، قبل أن تشحن إلى أسواقنا وأسواقهم.
أليست بعض الأفكار جيدة، لكننا.. لا نحتاج إليها أصلاً!