ذكر الله (كبري) الداهنة بخير، هذا (الكبري) يقع بالقرب من بيوت قرية الداهنة، وهو كبير الحجم وافر الظل وأرضه بطحاء الوادي، فكان من أراد أن يتزوج من أهل القرية فرش فرشاً كثيرة تحت
الكبري وجاء بالطباخ وهو يحمل قدوراً كبيرة وبدأ في إعداد الوليمة للغداء والعشاء وتجهيز القهوة والشاي.
هذا (الكبري) تزوج جيل كثير من أهل الداهنة تحت أجوائه؛ بحيث تكون البيوت للنساء والكبري للرجال، فيأخذون العريس ويذهبون به بزفّة كبيرة على أقدامهم للبيوت، وتنتهي مراسم الزواج بهدوء ودون عناء حجز قصر أفراح أو حوادث وأتراح.
أما الآن فقد تغيرت الحال وأصبح (كبري) الأفراح مجمعاً للعلب الفارغة وعلب البيبسي وغيره، وصار مهجوراً يمرون من فوقه ولا يتمتع أحد بجوّه البارد فوق بطحاء الوادي التي تنعش من يجلس ويمتّع ناظريه بمنظر النخيل والصحراء والنفود تمتد غرباً عنه، فصارت الزيجات في أقرب بلد لهم وهي جلاجل، هذا إذا كانت العروس تسكن الداهنة، أما من يسكنون المجمعة من أهالي الداهنة وهم الكثرة، فالمجمعة بها قصور أفراح تستقبلهم هناك.أعدني لهذه الذكريات أحد الأصدقاء من حوطة سدير؛ حيث قال لي غاضباً: كثيرون من جماعتنا سواء في حوطة سدير أو غيرها من بلدان سدير صاروا يجعلون زيجاتهم في الرياض، وبالذات بالقصور الفخمة، وبذلك هجروا قراهم وبلدانهم وأماتوا الفرح بها!!
قلت يا أخي: يقول النجديون في أمثالهم «الدز من المزّ» ومعناه أن عرق الشجرة الذي يمزّ «يمتص» ماء كثيراً ينمو بكثرة، فأنتم مثلنا، وحينما كنا على بساطتنا وتلقائية فرحنا وبعْدنا عن المظاهر كنا نتجه إلى (كبري) الداهنة لوليمة الزواج واجتماع الرجال هناك، فهجرناه واتجهنا لجلاجل حيث قصر الأفراح، وذهبنا للمجمعة أيضا، أما أنتم فاتركوا لنا قصور سدير نقيم بها أفراحنا واذهبوا للرياض حيث الفخامة والوجاهة هناك!! ضحك صاحبي وهو حزين على انتزاع الفرح من البلدان والقرى والذهاب به بعيداً حيث الأضواء.
فعلاً، هي ظاهرة بدأت تنتشر في بلدان وقرى المملكة بوجه عام؛ حيث يشترط بعض العائلات أن يكون زواج ابنتهم في الرياض، وبعضهم يشترط في قصر الأفراح الفلاني أو الصالة الفلانية!!
القرية أو البلدة هي رحم الحب الذي يلد الخير، وهي أم حنون يتجه لها أهلها في الإجازات، فهل تعاقب بأن تحرم من فرح ابن من أبنائها أو بنت من بناتها في ليلة الزواج؟ وهل يموت ضوء الفرح ليذهب بعيداً إلى أرض لا يعرفون فيها إلا الجدران الأربعة للصالة أو قصر الأفراح؟ شيء مؤسف جداً أن تموت الزغاريد وتصفيق الغواني في القرى! وتسحبه المدن الكبيرة مثلما سحبت كثيراً من البيوتات إليها.لا أدري كيف تعالج مثل هذه الهفوات في التفكير؟ لكن الأمل في الشباب المقيمين بها بأن يقفوا في وجوه المظاهر الخادعة أو المصطنعة ويقولوا: لا. سيكون زواجنا في قريتنا أو بلدتنا وبطريقتنا الخاصة التي نحددها.
Abo_hamra@hotmail.com