تتعاضد منذ أمد صورتي «التعليم» والزرع» في حالة الحصاد آخر المطاف، حينما توضع اللمسات الأخيرة على نهايات فصول الإنجازات في كل عام، سعياً وراء جني الثمار وتحقيق الفوائد، أو حتى تحصيل الحاصل، ليتزامن في هذه الأيام موعد هذين الحصادين.. (حصاد التعليم وحصاد القمح).
إذن بين التعليم والزرع أو القمح روابط إنسانية وحياتية كثيرة، ربما أهمها في الحضور وأكثرها في التأثير هو وجه الأرض كمعادل وجودي جدلي، حيث ترتبط الكثير من الأمثال الشعبية والطرف المعبرة في هذا السياق على نحو موشحات (زَرَعَ وَحَصَدَ) و(بَذَرَ وَقَطَفَ) في تهجئة مراحل التعليم الأولى على مقاعد المدارس الآن، وسابقاً على الحصائر والبُسُط.
فمن تلك الأمثال التي تَنِزُّ بعفويتها، وتمتاز ببساطتها على نحو (مَن جدَّ وَجَدَ، ومَن زَرَعَ حَصَدَ)، وما إلى تلك المقاربات الفلاحية التي تتردد؛ إذ تؤكد أننا، ورغم هذه القشور الحضارية الآنية، لا نزال نُعْمِل تقربنا من حياتنا الريفية الأولى، بل نقويه ونتشبث به؛ فلا تستطيع أن تميز بين حياتنا في وجهيها القديم والجديد، إلا بهذا الكم اللامع من التمظهر الذي نبدو عليه الآن، أو العودة إلى الماضي المتمثل بما بقي من فضاء القرى وبيوت الطين وأعواد الأثل وسعف النخل وسنابل القمح؛ فلا نكف عن تمثلها واستعادة تفاصيل دهشنا فيها.
ربما هناك سبب ما جعلنا نقر بواقعية الحصاد والزرع، بل نقاربه مع حصاد تعليمنا ونَدَّخِره كجزء من تكويننا الثقافي والمعرفي، حيث برز مع انطلاقة التعليم الأولى حينما أصبحت «فلسطين» هي القضية التاريخية الأم في وجدننا العربي، بعد أن تم التهامها وتواطأ العالم المدعي للحرية والعدل والمساواة مع الغزاة؛ حتى وقعنا في هذا المأزق الفادح؛ فلم يبق سوى الأدب والقصائد وحماس الخطب وكتب التعليم والمناهج التربوية هو مَن يعيد تفاصيل هذه النكبة أو الهزيمة وما تبعها من مساومة وذل وطلب للسلام، حتى وإن لم ترد الحقوق؛ فمسيرة التعليم محلياً وعربياً ارتبطت بشكل عام بالأرض، وتماهت مع صور الطين والماء والغرس والبذور والسنابل والحصاد، بل والخوف من قادم مجهول قد يقتلعنا مثلما حل بفلسطين.
ولقوة هذا الترابط الإنساني بين الأرض وأهلها استمرت هذه الهواجس قوية ومؤثرة في الوجدان، ومتأصلة في المناهج التعليمية والكتب التربوية والمذكرات الثقافية والنصوص الأدبية والخطابات الإعلامية؛ مما أسهم في استحضار القضية وحفظها في الذاكرة؛ لتتجدد فصولها؛ فتذكرنا بشتى الوسائل والصور والخطابات بأن تراب الأرض سيظل دائماً في الوجدان، ومن العسير نسيانه، بل سيظل الحصاد مرتبطاً بالأرض، سواء كان معنوياً في نهايات كل عام دراسي، أو مادياً من قبيل حصاد السنابل في الحقول.. تلك التي تطالبنا مدلولاتها بأن نكون أوفياء للأرض.
hrbda2000@hotmail.com