أبدى مجلس الشورى عدم رضاه عن أداء صندوق تنمية الموارد البشرية (هدف) وذلك قبل عدة أسابيع، وأنا أقول بأن ذلك يعد مؤشراً على فعالية أكبر للمجلس في تتبع الأداء الحكومي في الفترة الأخيرة.
ومقالي هذا سيكون مخصصاً لتحليل بعض جوانب الأداء الخاص ب(هدف)... فأداؤه غير مرضٍ؛ خاصة أن (هدف) مدعوم بمليارات الريالات، في ضوء حقيقة معاناتنا من أزمة متزايدة في البطالة، ولكي يكون الحديث موضوعياً فسأشير بشكل عام - دون استخدام اللغة المتخصصة - إلى جملة من الملاحظات الجوهرية على أداء (هدف):
أولاً: الإطار الاستراتيجي ل(هدف) وبنظرنا فإنه يحتاج إلى إعادة بناء، وعندما نتحدث عن الإطار الإستراتيجي فنحن نقصد به ذلك الإطار الذي يحدد التوجه الإستراتيجي ل(هدف) والمجالات والأنشطة الرئيسة ويوجه طريقة التفكير ويحكم عملية اتخاذ القرار والتصرفات والشراكات والتعاون والتحالفات، والحقيقة أنه يمكننا إيضاح ذلك من عدة أوجه؛ فمن ذلك أن (هدف) حدد لنفسه الرؤية التالية: (الريادة والتميز في تقديم خدماتنا لعملائنا)، وهنا نلحظ أنها رؤية عامة جداً لا تحدد أي هوية مميزة ل(هدف) كما أن رؤية كتلك تفشل في بلورة تصور مستقبلي جذاب يُراد تحقيقه في غضون فترة زمنية معينة، حيث إنه يمكن وضع تلك العبارة - ولا أقول الرؤية - في أي منظمة، ولإعداد الرؤية كما هو معلوم أسس ومعايير علمية محددة، ونجد أن أكثرها غير متوافر في تلك الصياغة.
من جهة أخرى جاءت رسالة (هدف) كما يلي: (يسعى صندوق تنمية الموارد البشرية (هدف) للارتقاء بمستوى القوى العاملة المواطنة وفقاً لاحتياجات الجهات المستفيدة وذلك بتقديم التسهيلات والبرامج والخدمات لتحقيق الأهداف المشتركة)، وهنا نجد أن صياغة الرسالة أفضل نسبياً من صياغة الرؤية، إلا أن الرسالة لم تحدد بشكل دقيق الأغراض التي وجد (هدف) من أجل تحقيقها، كما أنها لم تعزز الهوية له، بجانب ملاحظات (فنية) عديدة يمكن سردها بخصوص الأسس والمعايير العلمية لإعداد الرسالة، كما أن الإطار الإستراتيجي ل(هدف) خلا من منظومة (القيم المؤسسية)، بحيث يلتزم (هدف) بها في أداء رسالته وتقديم خدماته. وخلاصة القول هنا إن الإطار الإستراتيجي لهدف يحتاج إلى إعادة بناء من جديد مع التشديد على ضرورة إشراك (حقيقي) لكافة الأطراف ذات الصلة Stakeholders.
ثانياً: عدم الوضوح في الإطار الإستراتيجي الذي أشرنا إليه جعل (هدف) غير موفق في كثير من مشاريعه وبرامجه، حيث يغلب عليها (النفس القصير) سواء من حيث نوعية البرامج أو الشراكات مع الجهات الأخرى، فمن ذلك أن (هدف) يعمل على تبني برامج في منظور قصير الأجل، ثم يستبدلها ببرامج أخرى، دون أن يتوفر على رؤية إستراتيجية واضحة وشاملة، وكان من المفترض وجود برامج تأهيلية مستمرة مع وجوب وضع آليات متكاملة للمتابعة والتقييم والتطوير لتلك البرامج، أما سياسة (القفز السريع) أو (برامج التذوق) فهي غير منتجة على الإطلاق، بل لها آثار سلبية متعددة.
ثالثاً: يسيطر على (هدف) الأفكار التي ُتغلِّب الكفاءة على الفعالية، والكفاءة تركز على فعل الأشياء بطريقة صحيحة أما الفعالية فهي فعل الأشياء الصحيحة، ويظهر من أداء (هدف) وجود تركيز كبير جداً على الجوانب المحاسبية في عملية الصرف ونحو ذلك (من أبعاد الكفاءة)، مع الميل الشديد إلى (الترشيد بشكل مبالغ فيه)، ومن ذلك أن فروع (هدف) في بعض المناطق ظلت تعمل لعدة سنوات بموظف واحد تقريباً (كمنطقة القصيم وقد حدث بعض التغيير مؤخراً)، في حين يقل تركيز (هدف) على الفعالية التي من شأنها تحديد ما يجب عمله عبر التفكير الإستراتيجي في مشكلة البطالة وعدم تأهل قطاع من الشباب السعودي للعمل في القطاع الخاص بما في ذلك دراسة العائق السيكولوجي المسيطر على نسبة ما من أولئك الشباب.
وهنا أهمس في أذن (هدف) أن هدفك ليس هو مراكمة الأرصدة والأموال وإنما إنفاقها في تحقيق رسالتك! وهنا نتذكر أن أحد أعضاء مجلس الشورى يعتقد بأن (هدف) قد تحول فعلياً من مسألة (تنمية الموارد البشرية)، إلى (تنمية الموارد المالية)!
رابعاً: عدم التوفيق في إحداث تكاملية مع الجهات ذات العلاقة بمسائل التأهيل والتوظيف عبر وضع نموذج علمي Model شامل يحكم عملية التفاعل مع تلك الجهات، ويتم وضعه وتطويره وفق منظور وطني شامل، والحقيقة أنه لا يُلام (هدف) لوحده في عدم وجود مثل ذلك النموذج، حيث إن قضية التأهيل والتوظيف مختصة بعدد من الجهات، ولكن (هدف) يمتلك من الإمكانيات ما يؤهله لأن يلعب دوراً أكبر في هذا الشأن، خاصة أن (هدف) معلقة عليه آمال كبيرة من قبل الحكومة ومن قبل المواطنين، ولديه ميزانية ضخمة.
خامساً: نفذ (هدف) في بعض السنوات الماضية مع بعض الجهات الأخرى (كالمؤسسة العامة للتعليم الفني) بعض البرامج التي لم يكن لها رصيد كبير من الواقعية، فأثر ذلك على الصورة الذهنية ل (هدف) عند قطاع ربما يكون كبيراً من الشباب الباحث عن العمل أو الشباب العاطل. وربما يدخل في ذلك حملات التدريب المشترك وحملة الإحصاء لطالبي العمل التي تم تنفيذها في سنوات مضت.
سادساً: أشرت فيما سبق إلى البعد أو لنقل المعوق السيكولوجي لدى نسبة من الشباب السعودي حيال العمل ومتطلباته، فثمة تصورات خاطئة يختزنها أولئك الشباب في عقولهم عن العمل في القطاع الخاص، وكل ذلك يؤكد على أن من واجبات (هدف) أن تبذل جهوداً (إبداعية) لصناعة إعلامية مميزة في مجال التأهيل والتوظيف تشمل إعداد أفلام متعددة ومتجددة، ودعايات مبتكرة ومتواصلة؛ لتصحيح تلك التصورات ودفع أولئك الشباب خارج بوتقة الإحباط والتثاقل السيكولوجي، فهل ثمة ما يمنع من تخصيص نسبة كافية لمثل ذلك العمل الإعلامي؟ وهل هنالك من ينكر أثر الإعلام المرئي على تشكيل طرائق التفكير والاتجاهات لدى جميع فئات المجتمع وبالأخص الأطفال والشباب؟ ألا تتحمل ميزانية (هدف) - التي هي بالمليارات - مثل تلك المشاريع التغييرية؟ ماذا نحتاج كي نبدع ونفكر خارج الصندوق؟! ألا يمكننا توظيف بعض حلقات المسلسلات الكوميدية لتصب في اتجاه تصحيح التصورات لدى الشباب عن العمل وخلق اتجاهات إيجابية لديهم؟
هنالك جوانب أخرى من الملاحظات على أداء (هدف)، ولكن لعلي أكتفي بهذا القدر، مع تأكيدي على جوانب أخرى مهمة في الحل لقضية (هدف) ولما يشابهها:
1- طالب مجلس الشورى بتقييم مستقل لأداء (هدف)، وهو طلب رشيد وضروري، وأعتقد بأن من الواجب على الحكومة أن تتبنى خيار التقييم المستقل لأداء الأجهزة الحكومية المختلفة - ومن ذلك أداء (هدف) - وذاك عرف سائد في العديد من الدول المتقدمة، حيث ُتشكل لجانٌ مستقلة تقودها شخصية علمية أو مهنية بارعة، معروفة بنزاهتها واستقلالها، وتعكف اللجنة على دراسة الحالة بطريقة منهجية وتشخيص المشكلة بدقة واقتراح الحلول أو مجالات الحلول ومتطلباتها، ويتم إعلان النتائج ومناقشتها ثم وضعها موضع التنفيذ، كما يمكن الاستعانة بمراكز استشارية أجنبية ضماناً للحياد والاستقلالية والنزاهة المهنية في إبداء الرأي، في بعض الحالات التي يصعب علينا تشكيل لجان مستقلة أو لعدم وجود الخبرة الوطنية الفنية الكافية في بعض المجالات، ويمكن تشكيل لجنتين تعملان باستقلال تام والنظر في النتائج التي يتم التوصل إليها، وهذا ما أراه في وضعية (هدف).
2- ضرورة إعادة النظر في الإطار الإستراتيجي ل (هدف)، وفق الملاحظات السابقة وغيرها، والتأكد من إشراك الجهات ذات الصلة وفق منهجية علمية دقيقة، والعمل على تحديد آلية أكثر دقة لجعله أكثر فعالية.
أرجو ألا يُغضب هذا الكلام الإخوة في (هدف)، فنحن إزاء أزمة تتفاقم في ظل موارد مالية هائلة نمتلكها، وبدهي أن هذا التحليل المجمل لأداء (هدف) لا يتوجه إلى نقد أشخاص بعينهم أو التقليل من قيمة بعض البرامج التي يقدمها (هدف)... وبصراحة كبيرة: نحن بحاجة ماسة إلى أن نكون أكثر جودة وفعالية وإبداعاً في تطويق أزمة البطالة وإزالة التعويق المهني والتنظيمي والسيكولوجي الذي نشاهده في خارطة العمل في القطاع الخاص السعودي... مع التأكيد على أن (هدف) ليس هدفاً بحد ذاته وإنما وسيلة لتحقيق غاية أكبر!
beraidi2@yahoo.com