حديث اليوم.. ليس عن أضغاث أحلام تعبث بالعقل وتفتن الوجدان في يقظة عين.. أو في استراحتها، بل يتعلق بمنظومة من الآمال والأماني والرؤى التي تراود الخاطر بحثاً عن درب السعادة، تعطرها شفافية الإيمان بالله والرجاء فيه، وتؤطرها وجدانية التفاؤل طمعاً في حال أفضل من حال، قوامه العيش الكريم، المادي منه والمعنوي، مما فيه زاد للبدن.. ويقظة للفؤاد، وشفاء للروح من أوضار العصر!
والحياة بدون هذا النمط من الحلم المتفائل، أو التفاؤل الحالم، إنما هي كليلِ شتاءٍ جامد أو ضُحى صيفٍ مشتعل، في كليهما أذى للبدن والروح معاً.
إذاً، لِمَ الحلم وكيف ومتى؟ فأقول:
تنتابني الرغبة أحياناً في الفرار من زوابع الحاضر وفتنه وإخفاقاته إلى واحة من الحلم الواعي الذي يربض على رُبى التفاؤل الجميل، ويمكن وصف حالة (الفرار) هذه بأنها ضرب من (التمرد الصامت) تمارسه النفس في سلام وتفاؤل، سراً وعلناً، (احتجاجاً) على ما تراه رمزاً للإحباط في عالمنا الحزين!
إن الحلم الذي أرغب (فيه) وأرغب (عنه) في آن هو حالة من نور ونار!
فهو نورٌ كلما اقترن بالوسيلة المبدعة لتحقيقه!
وهو نارٌ كلما حلق بصاحبه في أجواء يحتضنها السراب! فإذا استعاد وعيه، أو عاد إليه وعيه، لم يشهد إلا ألسنة من لهب الفشل!
وهو بعد هذا وذاك أصناف!
منها ما يرقى إلى مستوى الإلهام..
ومنها ما يهبط إلى قاع الفشل..
ومنها ما تبدده ريح الغلو.. فيغدو هباءً منثوراً!
عندئذ، يتحول الحلم إلى (فضلات) تسكن العقل الباطن ولا تؤتي خيراً!
ولقد علمتني الحياة أن أمرّ الأحلام أعذبُها، لكنها في هذا الحال تظل أطيافاً لا (تضيء) حقاً ولا (تطفئ) باطلاً.. والحديث عن (الحلم) معينٌ لا ينضب، يستمدّ من الوجدان شفافيته، ورحابة أفقه، وحميمية مضمونه، لكنه في كل الأحوال، يظل نجوى مغلّفة بخصوصية (الأنا) التي تمنحُ (الحلم) شأناً خاصاً لا شأن لأحدٍ به ولا سيطرة ولا سلطاناً!
وقد يسألني الآن سائلٌ: بم تحلم؟ فأقول:
أحلم بعالم (مفرّغ) من الحرب، (مشحونٍ) بالحب، (نقيٍّ) من الإثرة، (غنيّ) بالإيثار!
وأحلم بعالم يعشق حرية الإنسان وكرامته ومواهبه، ويبدع في ردم فجوات الفقر والجهل والمرض والخُلف بين الأمم التي تعوق أداءها، حيثما وُجدت!
وأستشهد على بعض ما أقول بشيء من (أطلال) طفولتي، فقد كان أغرب ما فيها أنني لم أحلم يوماً خلالها بأي مما تحقق لي اليوم، بفضل من الله، سواء في الشأن الشخصي أو العام، والسبب في ذلك أن مساحة هامة من فجر طفولتي كان يكسوها جليدُ الحرمان من حنان الوالدين!
كنت أحلم آنئذٍ أن أنعمَ كبيراً بما افتقدته صغيراً، بدءاً بالغذاء ذي السعرات الغنية بالحياة، وانتهاءً بالرداء المنصفِ لآدميتي! وأحمد الله من قبل ومن بعد أن تحققّ لي أكثر مما كنت أحلم به!
أختمُ هذا الحديث ب(نصائح) إلى كل (المهرولين) في سراب الحلم وسراديبه، فأقول:
إذا تعثرت بك الخطى، قارئي العزيز، في درب من دروب الحياة، ولم تنلْ ما تحلم به، فلا تنعَ حظك العاثر، أو تلعن الظلام، أو تلاحق (مغتال) حلمك! نَمْ ملء جفونك قريرَ العين.. واحلم من جديد، فالأيام حُبلى بكل حلم جديد!
باختصار: لا تحلم بالمستحيل كيلا يتحول حلمُك إلى نصلٍ يغتالُ فيك إرادة الحب والحركة والحياة!