العُرف مصدر من مصادر القواعد القانونية الدولية، والمحلية، والإقليمية، بل قد يسود العُرف على القواعد والتشريعات في المجتمع الضيق كالقبيلة، والطائفة، والأقلية.. ولا يقتصر شيوع تطبيق القاعدة العرفية على الأعمال التجارية، حيث هي الأكثر استعمالاً لقواعد العُرف (العُرف التجاري) لما تتصف به التجارة من سرعة وعدم ثبات في كيفية وطبيعة التعاملات التجارية.. ويلجأ للعُرف رغم استقرار التشريعات، ولا يقصر الحكم به فقط في حال تعذر النص.. بل وكما أسلفنا قد يسود على كل التشريعات في بعض المجتمعات الضيقة.. والممارسات الدبلوماسية رغم وجود البروتوكول الدبلوماسي العام المتعارف عليه، ليست بعيدة عن تفضيل أحكام العرف.. وما يُسمى بالعرف الدبلوماسي.. وهو عرف غير مكتوب (قد يستل السيوف) إذا تعذرت الاتفاقيات البينية.. فتلجأ الممارسة إلى ما يُطلق عليه العُرف الدبلوماسي (المعاملة بالمثل).. والمعاملة بالمثل ليست من بنات أفكار فقهاء القانون بتصنيفاته المختلفة (العام والخاص، الدولي والمحلي.. أو فروعه المختلفة كالتجاري والمدني والدستوري).. أو جهابذة السياسة الحديثة، إنما هو مبدأ إنساني قديم قِدم البشر ?لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِين?.. مخافة الله منعت هابيل من أن يعامل أخاه قابيل بنفس المعاملة، إذاً المبدأ قديم من حيث الزمان، وأبرز ما نقله لنا التاريخ من مبادئ عرف المعاملة بالمثل، تشريعات حمورابي الشهيرة قبل الإسلام، ليتم الله نعمته على خلقه ببعث سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام من بعد ما خلت من قبله الرسل.. ليتم علينا نعمته بدين الإسلام الذي حمى العقل والنفس والجسد ?وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ? (45) المائدة.. وللمعاملة بالمثل بهذا النص القرآني الكريم مبدأ أصيل منضبط في قيمنا العليا، ومنطلق تصرفاتنا كمسلمين هي القيم العليا التي تحكم سلوكنا القويم كالعدل والصدق والأمانة.. ومن العدل الذي لا تشوبه الريبة، أن نعامل الآخرين بمثل ما عاملونا أو يعاملوننا به.. فبعض الدول الأوروبية منعت بناء المآذن، وهو إجراء يُمهد لمنع المؤذن ثم منع التجمع للصلاة، وها هي تكاد تُجمع على منع الحجاب، بل وتُجرمه بدعاوى يأبى العقل قبولها، كدعاوى الإرهاب أو تستر الإرهاب وراء الحجاب، والهدف النهائي من هذه الإجراءات والتشريعات الأوروبية ضد الحجاب والمحجبات.. وسيتبعه العمة والجلباب للرجال.. هو محاولة تجريد المسلم من فضيلة تمسكه بقيمه العليا بإخضاعه بالرضوخ للتخلي عن ما يؤمن به من ضرورة أو واجب أو مندوب أو مستحب إسلامي، مما سيقضي على إمكانية تربية الآباء للأجيال الإسلامية القادمة للمسلمين المستوطنين للقارة الأوروبية بمحاكاة آبائهم بما يفعلون، لن يتخلى الأوروبيون عن مضايقة المسلمين سواء كانواً عرباً أو غيرهم.. ما لم يُعامل الأوروبيون بالمثل، بضرورة لبس نسائهم حين قدومهن وإقامتهن في البلاد العربية والإسلامية لباس نساء البلد الذي يزرنه أو يقمن فيه، ومن ترك شيئاً لله عوَّضه خيراً منه.. لا تكون السياحة ومداخيلها للدول السياحية أهم من المقاصد الإسلامية، والله ولي التوفيق والقادر عليه.