Al Jazirah NewsPaper Saturday  19/06/2010 G Issue 13778
السبت 07 رجب 1431   العدد  13778
 
الحقيقة أنا لست مشغولاً!!
د. عبد الحميد بن محمد بن الهليل

 

كثيراً ما نسمع هذه العبارة: (أنا مشغول.. أنا مشغول) وربما أكثرنا نحن أيضاً من ترديدها؟؟ راجع نفسك!! إنها عبارة تستعمل غالباً للاعتذار.

والغريب والله أنني الآن قلتها لمن دخل علي وأنا أكتب مقالي هذا معتذراً عن متابعة الحديث معه بأني مشغول! يا لها من صدفة خدمت مقالي هذا!! وقد يسأل سائل: وما هو الغريب والخطأ عند قول أحدنا أنه مشغول؟؟

أقول: صحيح أن هذا الرد ليس خطأ أو غريباً، ولكن الخطأ والغريب أننا نصف حالنا بالمشغول ونحن لسنا بذاك.. الشغل.. بمشغولين!!

انظر إلى ذلك السائق وهو في خط سير سريع؟ يسرع ويسرع ويتجاوز السرعة المسموح بها أضعافاً مضاعفة!! لماذا هذه السرعة؟؟ يقول أنا مشغول ذهني فلا بد أن أصل سريعاً، ومع انشغال ذهني بالوصول فإني سأشغل عند وصولي؟!! لقد خاطر بنفسه وبنفس غيره وإن وصل! فتجد أن كثيراً ممن يفعل ذلك غير مشغول أصلاً تجد بعضهم يتحدث عند وصوله ويباهي من يقابله بأنه قطع المسافة بمدة..!!؟ والآخر وإن وصل تجده يدور في نواحي المدينة لأنه فاااضي غير مشغول فقد وصل مبكراً وكانت السرعة هواية له فقط!! والثالث وإن وصل يتصل بصاحبه فيقول له: أين أنت يا صاحبي لقد وصلت؟ فيرد عليه صاحبه: أنا مشغول أرجوك أبحث عن شغل ضيع وقتك فيه لمدة ساعة حتى أفرغ أنا من شغلي!! يا ترى ما هو شغل صاحبه الذي سينتهي بعد ساعة؟؟

انظر إلى ذلك الراكل الكرة برجله لقد صوب الكرة على المرمى وحاول وحاول ولم تدخل الكرة المرمى!! قد يقول قائل: إن هذا المرمى مشغول بحارس مرمى ماااهر وأنا أقول إن المرمى خال من أي حارس ولكن طريقة الراكل للكرة ركل خاطئ، فقد أخطأت الكرة المرمى غير المشغول بحارس!!

اسمع ذلكم الخط الهاتفي تتصل بصاحبه وتسمع طوط.. طوط.. طوط يعني أن الخط مشغول فإذا كشف لك الواقع تجد أن سماعة جهاز الهاتف قد سقطت على الأرض بعد انزعاج صاحبها وهو مشغول بنومه فتحركت يده تجاهها ليسقطها أرضاً!! هنا أصبح حقيقة الخط المشغول غير مشغول! والغريب أن صاحبه مطالب في هذا الوقت بشغل يتقاضى عليه راتب ولكنه شغل بنومه عن شغل عمله!!

إنك ترى بالوناً هوائياً عظيم الحجم يشغل مساحات كبيرة والسبب أنه مشغول بداخله بالهواء وفي الوقت نفسه تعلم أنه فارغ من كل شيء فليس فيه إلا الهواء يعني مشغول ولكنه غير مشغول!!

هل مررت ذات يوم بمكتب المدير ورأيت الإضاءة الحمراء في وضع التشغيل يعني؟؟ لا مجال للدخول على المدير لأنه مشغول! حسنا لو اكتشفت أن المدير مشغول بأكل (ساندويتش) كيف سيكون نظرتك للمدير بعد هذا الشغل الذي في عرف الإضاءة الحمراء ليس شغلاً!!

أحسب أن المدير لو نطق لقال يا كاتب المقال هذا ليس من شغلك!! هل تفكرت وأنت تنظر إلى سيارات تصف بأعداد هائلة عند إشارات المرور في غير وقت العمل والانصراف منه؟ هل تفكرت في شغل صاحب كل سيارة؟؟

جرب وقف عند الإشارة وطالع كمية السيارات لتتفكر!! ولكن أحسب أن من في السيارات سيتساءلون؟ عم يتساءلون؟؟ ويتساءلون عن وقوفك عند الإشارة ولسان حالهم يقول: (ما عندك شغل)!!.

آه.. آه.. تذكرت الآن الحبيبة الجدة!! لقد سمعنا عبارة شعبية خصتها!! تقول هذه العبارة:

(ما عندك ما عند جدتي)!! إنهم يصفون بها المفلس من كل شيء!! أليست هذه عبارة ظالمة للجدة؟؟ نعم إنها عبارة ظالمة خاصة إذا علمنا أن الجدة شغلت بهمنا عن همها!! ومع هذا شغلت أوقاتنا بالحكايات الجميلة المليئة بكل فائدة، وقبل هذا وبعده شغلت وقتها بذكر الله وشكره والحرص على حسن عبادته..

إننا قد نكافئها بالانشغال عنها فلك الله أيتها الجدة المشغولة بنا!!

أخيراً.. فليفتش كل منا في شغله وما يشغله فإن كان خيراً فهو خير على خير وإن كان غير ذلك فدعونا نصحح الشغل فنجتهد كاجتهاد صاحب المشغولات الحديدية في إتقان صنعته!!

وأخيراً بعد الأخير..!؟ يسعدني أيها القارئ الكريم أني أشغلت وقتك الثمين بقراءة مقالي هذا!!



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد