في يوم الأحد الموافق 21-8-1402ه حصلت على أول شهادة دراسية في حياتي؛ فرجعت من المدرسة إلى البيت فرحاً أسوق الخطى كي أخبر أهلي بنجاحي، فوجدت بيتاً يملؤه الحزن ويخيم عليه الصمت الرهيب. خرجت منه مسرعاً إلى بيت أحد أقاربي كي أخبرهم بنجاحي لعلي أجد تعويضا للفرحة التي فقدتها في منزل أهلي فقابلني صوت يعج بالبكاء ينبعث من منزل أقاربي، وببراءة الأطفال - آنذاك - سألت نفسي من هذا الراحل الذي يبكيه كل من حولي؟! قلت لا بد أنه قريب لي، وسوف أعرفه اليوم. مرَّ اليوم ولم يمت لي قريب في ذلك اليوم، دارت رحى الأيام فعرفت أن المتوفى في ذاك اليوم رجل اسمه خالد بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية؛ فعلق هذا التاريخ في ذهني، كيف لا وقد مر بي وأنا طفل لم أتجاوز السابعة من عمري، وما يكون في هذه المرحلة من ذكريات لا يستطيع الزمن - وإن طال - أن يمحوها من الذاكرة.
وأنا أتصفح الفضاء الشبكي (الإنترنت) شدَّ انتباهي مفردات ولفت نظري كلمات تنطلق عبر دعوة من صاحبة السمو الملكي الأميرة البندري بنت خالد بن عبدالعزيز تقول فيها: اسألوا آباءكم عن خالد.
وأيم الله يا صاحبة السمو لم يدع لنا الآباء فرصة للسؤال عن أبيك؛ فليس هذا مكان سؤال يطلب إجابة، إنما هو خبر، بل خبر ابتداء، نعم يا صاحبة السمو.. آباؤنا ابتدؤونا بالحديث عن أبيك قبل أن نسألهم فقالوا لنا مراراً وحدثونا تكراراً قائلين: «كان خالد، وكان خالد وكان خالد وكان خالد...».
وأغرب ما سمعته عن الملك خالد من أناس لم يجالسوه البتة، وأشخاص لم يقابلوه أبداً، نعتوه بقولهم: «إنه كان طيّبا»، ومن خلال شريط فيديو لمباراة كرة قدم رعاها الملك خالد في تاريخ 10-7-1401ه نظرت إلى وجهه نظرة متفكر، وتأملت محياه تأمل متدبر؛ فأيقنت يقينا لا يخالطه شك، وتأكدت تأكداً لا يساوره ريب بصدق من نعته ب(الطيبة)؛ فسيماهم على وجوههم.
فلتهنئي يا صاحبة السمو؛ فإن أباك - رحمه الله - نحسبه - والله حسيبه ولا نزكي على الله أحداً - من الذين أحبهم الله فأحبته ملائكته، ثم أنزل لهم القبول في الأرض؛ فاجتمع أهل الأرض على حبهم.
ولتهنئي يا ابنة خالد؛ فلقد سمعنا الكثير الكثير من ثناء الناس على أبيك، ونسأل الله تعالى أن يوجب له الجنة؛ فالخلق شهداء الله في أرضه.
إنَّ للملك خالد معارض عدة أُقيمت على أرض قلوب محبيه، تجولنا في أرجائها من خلال حديثهم عنه، والأذن تعشق قبل العين أحياناً.
واليوم أصطحب ابني إلى المعرض المقام عن حياة الملك خالد لافتتح معرضاً للملك خالد في قلبه؛ فأقص شريط افتتاح المعرض مشيراً بيدي إلى صورة رجل؛ فيسألني ابني السؤال نفسه الذي سألته نفسي إبان كنت طفلاً: مَنْ هذا؟
فأجيبه: هذا ملك اسمه خالد، مات منذ زمان، لكنه خالد.
- الرياض