ذات مساء نبتت شمس الحقيقه بين أهدابي فوجدت قلبي يملي علي قول الحقيقة حينما تسمرت واقفاً عند ذلك «الجدار القضية» وهو جدار مدرسة متوسطة حكيم بن حزام «الغربي» الآيل للسقوط، ذلك الجدار الذي أصبح قضية ولقي كسر الخاطر، وتزايدَ الألمِ بتصدعاته، من مسؤول سقاه الضيم.. وتجرّع جدارنا منه كؤوس المرارة والحرقة، لا وساطات تنفع، ولا اجتهادات ذاتية تخفف عنه الألم. فأصبحت إدارة المدرسة مع المسؤول كما هو حال الشاعر في قوله:
|
يا قارع الباب على عبدالصمد |
لا تقرع الباب فما من أحد |
جدار يخشى السقوط من منحدر، قد يحصل على شهادة براعة في تحطيم طموح الآخرين يوم أن يجهز عليهم عند الانحدار.. جدار تم بشأنه إرسال أكثر من خطاب من قبل إدارة المدرسة لمكتب التربية والتعليم بمحافظة المذنب.. ذلك الجدار الذي شغل الرأي العام في المحافظة.. بحضور مندوب من محافظة المذنب ومندوب من البلدية لمَ يا ترى!؟ فقط للاستفسار عن السور والاطمئنان عليه..!! حضور مندوب الدفاع المدني لمرتين وتأكيده على خطورة هذا السور على أرواح الطلاب والعابرين بجواره ووجوب إزالته وسقوط الكراجات المجاورة لهذا الجدار - على امتداد السور الطويل - أكثر من مرة واكتفاء مكتب التربية والتعليم بإرسال عامل تلحيم.. أواه وألف أواه لهذا الجدار المسكين.. والله لكم تمنيت وتأملت أن يكون لهذا الجدار شأن كجدار الخضر في قصة موسى فيقيمه رجل رشيد صالح، كما أقامه الخضر قال تعالى: (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ) والله والحالة هذه للجدار لكأني أطمع باستنفار لهذا الجدار حتى وإن لم يقف على كنز تحته كما في قصة الخضر.. بل يكفي أن يقف ضميرنا الإنساني بجواره إحساساً بواقع وخطورة حاله!
|
تهرّب ووجه آخر «للمماطلة» واختباء من بعض المسؤولين تحت لحاف (لا للمواجهة)، كغيرها من القضايا!
|
قضية الجدار ظلت بؤرة أو لنقل شرخاً في جدار مدرسة أو لنقل أسرة، تُرى كم من جدار مثله!!؟؟
|
هل تعلمون كم عددها في المحافظة؟، لِم لَمْ ترمموها، ُكثُرٌ هم المتطفلون، يترقبون وينظرون لا يحركون ساكناً !!
|
قد يكون من بجوار الجدار هو «آخر من يعلم عن قضية هذا الجدار القضية» لا ندري عنه.. ننتظر خطاباً بشأنه، لم يلفت انتباهنا.. لننتظر علّه يُحدِث مقولة: «ليقع الفأس في الرأس وعندها ننظر في شأنه» كالعادة حال مفاصلة أمر أو قضية خطيرة على الأرواح البشرية!!
|
بل بات البعض منهم ينتظر تحقّق قول الشاعر:
|
أين المفرّ من أمر قد قُدِر |
هيهات لا ينفعه طول الحذَر |
وكأنهم يقولون: «أعطونا بكل لبنة من هذا الجدار وزنها ذهباً لننظر في قضيته».
|
مسكين هذا الجدار، ضحك الجميع من هذا الموقف الضعيف، وهم يقولون أي جنون هذا !!؟ فجاء الرد وبعد تداول أمره بين المعنيين:
|
(لا مانع من ترميم الجدار المذكور !!) ولا أدري فقد يتزامن صدور مقالي مع مباشرة العمل، فلا ريب إنما هو إذعان وتنويه لغيره من الجدران الآيلة والواهية.. وعتاب على سبب التأخير في ترميم الجدار إلى هذا الحد بعد أن سلّم الله أمراً خطيراً قد يكون مفعولاً !!
|
وكم كنت أتمنى أن يبادروا في ترميم هذا الجدار عاجلاً حتى:
|
لا تدع الفرصة في يوم لغدْ |
في كل يومٍ عارض من النّكد |
ولَكَم خشيَ هذا الجدار من أن تَحُلّ الخيانة من قبل المسؤول عنه: علاقة هذا الجدار بالجهة المسؤولة، وأحدهم تمرد على الآخر، وعند الحقيقة يكون التبرير «خيانة مشروعة، وإهمال تام».
|
جدار سألته عن حاله البائسة فلم يجبْني:
|
أحدّثه إذا غفل الرقيب |
وأسأله الجواب فلا يجيب |
ولم يتبقَ إلا أن أبشّر هذا الجدار بسرور عاجل بإذن الله وما هي إلا شدة وتزول:
|
هي شدّة يأتي الرخاء عقيبها |
وأسى يبشّر بالسرور العاجل |
لقد عاصر هذا الجدار دقات ساعة المحافظة الشهيرة، والتي تنتصب في دوار الساعة منذ عقود من الزمن ولم يتصدّع الجدار بفعل دقات هذه الساعة الناطقة بيد أنه تصدّع بفعل الإهمال واللامبالاة وعوامل الزمن تنهش من جسده وهو شاخص قبالة المارة والعابرين وهم يقولون:
|
ولا خير فيمن لا يوطّن نفسَه |
على نائبات الدهر حين تنوب |
لقد اعتادوا على مثلها مواقف خطيرة ورضوا بها نفساً وإن ضاقوا بخطورتها ذرعاً فما حيلتهم، وفي نظري أن نقاش هذه القضية يحتاج لعقل لا عاطفة تحرك الكيبورد كي يكون النقاش واعياً.. والتنفيذ.. نافذاً !!
|
إن بداخلي إحساس قوي وحقيقي وعميق بالانتماء إلى الوطن وأرضه وحكّامه وشعبه ومآسيه.. إنني لست سائحاً على جرح الوطن أستقل طائرة السفر وأرحل متى ما شئت، إن مأساته هي مأساتي أنا شخصياً. إن الوطن هو الذي يسكننا ولسنا نحن الذين نسكن الوطن.!!
|
أقول ذلك وأنا أقرأ في رسالة عبر جوالي عن انهيار أحد أسوار جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن وسقوط ثلاث طالبات بنوبات هستيرية وحالات اختناق.. وكأن جدارنا هذا ما هو إلا رجع صدى لذلك الجدار لقد باتت هذه النتوءات جزء لا يتجزأ من جراحات الوطن وجراحات سكانه وهم يتمثلون الخطر أمام أعينهم ثم لا يجدون حراكاً إلا في أوقات متأخرة!
|
وكل هذه الأسئلة الضمائرية لم تكبح جماح رغبتي في ارتكاب سؤال يضرب جدار قلبي المنصدم.. ما ذنب المارة والطلاب في هذا التجافي ومتى يُلتفت لهذا الجدار ولمثله من الجدران!!؟
|
وهل ينتظر المسؤول لمواطن يسلّ سبابته من غمدها ويتأبط ورقة وليكتب عن هذا لجدار وغيره..!!
|
ما قد يضيرني أن يستغرق هذا المقال وقتاً طويلاً في الإعداد في صحيفة الجزيرة، فيبدأ العمل في معالجة أمر الجدار وينشر المقال فيكون موافقاً لتنفيذ الترميم.. ولكن عزاءنا أنه صوت لأنين جدار وجدار في المحافظة.. ينتظر الالتفات !!
|
- عضو نادي القصيم الأدبي فرع المذنب |
|
|