أتاني خارجي عائد عبر أحجبة الزمن فقال لي: العدل العدل يا أهل السنّة والجماعة فإن الخوارج تتلوى ألماً وحرقة في قبورها مما تنسبونهم إليهم. قلت على رسلك يا خارجي، أما زلتم سفهاء ترغون وتزبدون فتتهمون المسلمين من غير تثبت ولا تمحيص؟!.. اجلس يا خارجي واهدأ، وأخبرني بالأمر. قال الخارجي: كنا حركات قبلية يغلب على أفرادها الجهل، يذكي حماسها نخوة العشيرة، وتلبسنا بلباس الدين من حيث نعلم ومن حيث لا نعلم، وجوهنا كانت كأنها فلقة الصبح، وعيوننا قد أضر بها كثرة البكاء من خشية الله، فكنا نصوم هجير النهار ونقوم جوف الليل، ونسعر الحروب ضد أهل الإسلام. فقتلنا شيوخ المسلمين ونسائهم وأطفالهم، لا نبالي بمن جاء تحت سيوفنا ولا بمن داسته حوافر خيولنا. نصرخ الله أكبر، فننشر الرعب في ديار المسلمين، نسفك دماءهم ونروع أمنهم ولا نقتل الكافر إلا إذا كان معاهداً مستأمناً نكاية في المسلمين. أوقفنا الفتوح الإسلامية، واستنزفنا طاقات المسلمين، ونحن نظن أننا نحسن عملاً، حتى أخزانا الله فما عاد لنا وجود، وأصبحنا عبرة ومثلاً للآخرين، ولكننا لم نغدر بعهد ولم ننكث بوعد ولم نحارب إلا تحت راية معلومة وكانت مواقعنا مشهورة معروفة.
قلت قد عرفنا ذلك عنكم يا خارجي، فما خبرك اليوم. قال الخارجي خرج فيكم قوم تسمونهم بالإرهابيين لا رابط عشائري ولا قبلي بينهم، فما هم إلا حثالة من حاقدين أو مجانين من الذين تسمونهم أنتم اليوم بالمرضى النفسيين. شعارهم خيانة العهود ونكث الوعود، لا نخوة لديهم ولا مروءة، يستغلون الخير عند الناس فيأتونهم منه خسة ونذالة، ثم تنسبون الإرهابيين ظلما للخوارج! قد ألحقتم بنا العار نحن معشر الخوارج فلو كنا كلاب النار لتلوت الكلاب في النار ألماً من لؤم هذا النسب.
قلت يا خارجي قد أدبك الزمان، وتعلمت الحكمة برؤيتك لتقلب الأحوال، فما الحل في هؤلاء. قال الخارجي كنا عشائر قد غلبت علينا عصبة القبيلة، نزولاً بزوال أمرائنا، وننقص ولا نزيد، ولا نسلم للمسلمين حتى ونحن في سجونهم، ولكن إذا تعهدنا لهم التزمنا وإذا وعدنا أوفينا. ولكن ما ابتليتم به من الإرهابيين ما هم إلا حثالة تطعن اليد التي تمتد إليها، وتنقلب على من أحسن إليها، وتغدر بمن استأمنها، وتخون من أمنها، وتحنث وعودها. حثالة من مرضى وحاقدين ومغفلين لا رابط بينهم فما تدرون أيزيدون أم ينقصون. وقد خبرت كثيراً منهم أثناء تجوالي في أنحاء المعمورة فوجدت أن الحاقد لا علاج له في نفسه إلا التراب، ولكن اعملوا على قطع إمداداتهم بتطوير البلاد وتصحيح الأخطاء وتجنب الفساد. وأما المرضى النفسيين فقد خبرتهم في بلاد الفرنجة وبلاد الإسلام، فكلما أصيب شخص من هؤلاء بلوثة في عقله وجد في الدين ملاذاً آمناً من جنون شياطينه، فأسلم من لم يكن منهم مسلماً، ودروش من كان منهم فاسقاً، ثم لا يلبث حتى يسلط شياطين جنونه على المسلمين، وقليل من المجانين من يطيب عقله بعد فساده. وأما المغفلون فهم تبع لغيرهم يزولون بزوالهم ويكثرون بكثرتهم، وهؤلاء ما أقرب عودتهم إلى حياض جماعة المسلمين، وضابط ذلك كله وميزانه قولهم «ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى».
قال الخارجي -وهو يهم بالانصراف-: إن المسكوت عنه عندكم، أن الدين لباس من لا لباس له ولكن اعلم أن اللعب به خطير، فمن يجعل الضرغام بازاً لصيده تصيده الضرغام فيما تصيدا.