تابعنا خلال الأيام الماضية حوارات وناقشات أُثيرت في صحافتنا حول مسألة (الفتاوى) وهذا بدون شك.. شأن متخصص يجب ألا يتصدى له.. إلا العلماء.
فالفتوى والفتاوى.. مجال خطير وميدان متخصص لا يفد عليه إلا أهله.. إلا أن الملاحظ.. أن أكثر من تحدث في هذا الشأن هم من غير المتخصصين.
ولهذا قرأنا الكثير من عبارات التندر والسخرية والاستهزاء.. وقرأنا عبارات التجريح التي امتدت لكل شيء ولم تستثنِ أحداً.
فالفتوى التي أطلقها شيخنا الجليل معالي الشيخ عبدالمحسن العبيكان حول الرضاعة.. وسواء اتفق معه علماء آخرون أو خالفوه.. هو اجتهاد ورأي عالم مسنود بأدلة شرعية.. وهو عالم كبير له مكانته ومنزلته.. وله حضوره وله تاريخه الشرعي والقضائي.. وواحد من أبرز العلماء في هذا العصر.. وفتواه تلك سواء وافقها بعض الفقهاء أو خالفوه.. فهي مسألة شرعية لها أهلها الذين يتصدون للمسائل الشرعية ولا ينبغي أن يكون رأي العالم واجتهاد الفقيه أو فتوى المفتي أياً كان مجالاً للتندر والسخرية والاستهزاء.. فهذه أمور شرعية وعلمية فقهية لها أهلها ولا يجوز أن تكون مجالاً مفتوحاً لهواة التندر والمداعبات الصحفية.
وهذه المسألة أُشبعت بحثاً في سنين مضت.. وليست مسألة حادثة وليست مسألة جديدة، فقد تناولها الفقهاء القدامى والمتأخرون وكنت قد قرأت عدة أبحاث وفتاوى حولها في سنين مضت.. بل هي موجودة في كتب فتاوى وكتب فقهية مطبوعة.. بل نُشرت في بعض المطبوعات قبل سنين.. ونُوقشت هذه القضية.. والشيخ العبيكان لم يأتِ بجديد ولم يبتدع من عنده.. ولم يتطرق لموضوع شاذ أو قضية معيبة بل تناول قضية أو موضوعاً موجوداً في القرآن والسنة وكتب الفقهاء وله في كتب الفقه (باب) اسمه (باب الرضاع) فلماذا كل هذا الهجوم؟! ولماذا كل هذا التندر والسخرية؟!
هناك أدلة شرعية تعضد ما ذهب إليه الشيخ العبيكان.. سواء بقي على رأيه أو غيّر اجتهاده.
والشيخ العبيكان.. لم يطلق هذا الرأي من بنات أفكاره.. ولم يأتِ بشيء من عنده.. فيجب أن يكون حوارنا مع الشيخ العبيكان.. ومع كل فقيه وعالم يكون له رأي في مسألة يكون حواراً علمياً وقوراً وليس جدال تشنجات تُستخدم فيه أسوأ الألفاظ وأكثرها خشونة.
كما يجب أن يقتصر تناول هذه القضية على العلماء والفقهاء فقط.. لأن الدخول في هذا الميدان من غير المختصين يُفسد الحوار.
ولأنه أيضا ليس من حق أي (أحد) أن يقول أصاب الشيخ الفلاني أو أخطأ.. فهذا حكم كبير وليس لكل أحد.
الحوارات في المسائل الفقهية والعلمية.. يجب أن تترك لأهلها.. ولا يجوز لأي شخص أن يُقحم نفسه في هذه المسائل الخطيرة.
كما يجب أن نحترم علماءنا.. وأن ننزلهم منازلهم.. وألا نتطفل على هذه القضايا الفقهية المتخصصة بآراء من أشخاص لا يملكون القدرة على الغوص في عمق هذه المسائل والحكم عليها.
إن الفقه ليس جداراً قصيراً بوسع كل شخص أن يقفز من فوقه.. والفقهاء لهم مكانتهم وقدرهم واحترامهم وعلينا أن نستشعر ذلك.
علينا.. أن نحترم الفقه..
وعلينا أن نحترم الفقهاء..