الثقافة الأبوية التي سيطرت ولا تزال على المجتمعات الإنسانية تنفي صفة الأنوثة عن المرأة العاقلة الواعية وتدخلها في قائمة المسترجلات! وعلى المرأة أن تختار بين أن تكون أنثى مرغوبة.. أو امرأة عاقلة منفية!؟! نتج هذا بعد تدريب طويل تلقته المرأة في مختلف مراحل حياتها تجاه (صورة) المرأة التي ما (هي) إلا (هي)! تحارب المرأة في كل بلدان العالم إرثاً ثقافياً باهظاً من العسير إزالته دون دعم النساء للنساء.
المرأة ذات الصوت القوي الواثق.. هي امرأة سليطة اللسان في نظر الرجل، ولسانها يحتاج إلى معالجة بالقص عند كل من سقراط وأفلاطون مثلما هي عند متقدمي العرب ومتأخريهم، إذ تعد القدرة على الارتجال والفصاحة مميزات ذكورية تُعاقب عليها الأنثى بقص اللسان أو التلويح بذلك كنوع من الاعتراض على دخولها المجال اللغوي الذي ظل الرجل مستفرداً فيه!.. القانون التلمودي يجيز للرجل أن يطلق زوجته حين يسمع الجيران صوتها، وشكسبير يقول: (صوتها كان ناعماً، رقيقاً منخفضاً.. وهذا هو الشيء المميز للمرأة).
ويقول سان باول: (لا أرخص للنساء أن يتعلمن، النساء يجب أن يبقين صامتات).
هذا التدريب الطويل على لزوم الصمت والحديث المنخفض الخافت وعدم التعلم هو إرث تلقته المرأة في كل مكان في أنحاء العالم.. وثمة مجتمعات تخففت منه.. وثمة من لا يزال يئن تحت أثقاله ويورثه للأجيال بعده! شهدت إسرائيل يوم الخميس الماضي مظاهرات منظمة ومسيرات حاشدة ليست بهدف التضامن مع قوافل الحرية التي تحمل المساعدات الإنسانية إلى المحاصرين في غزة.. وليست تأييداً لجهود نزع الأسلحة النووية في إيران، بل كانت من متشددين ضد تعليم الفتيات ويظهر في هذه المظاهرات التخلف الشديد والرغبة في إقصاء المرأة من قبل هؤلاء المتخلفين دينياً وثقافياً! لقد تجاوزنا نحن هذا منذ نصف قرن، وتعلمت النساء ونبتت لهن ألسنة طويلة وفصيحة وثرية.. وأصبحن بعقول تزن الجبال، لكن هل الشراكة المجتمعية والتمكين في العمل والمساهمة في صناعة القرار هي على قدر الجهد المبذول في تأهيل المرأة طيلة تلك السنوات من قبل الدولة كجهة داعمة لتطويرها وتمكينها.
غياب المرأة يعني غياب نصف الحقيقة!!