المتتبع للإحصاءات التي تخلص بها كل دراسة تستهدف استهلاك الفرد في مجتمعنا، سوف يجد أن أعلى نسب المستهلكين لكل ما تطرحه الأسواق هو الفرد السعودي، وقياساً على عدد المشتركين في الاتصالات الذي بلغ نحو من 46 مليون شخص، وقيمة مدفوعاتهم التي هي دخل الاتصالات 37 ملياراً من الريالات، لن يدهش إن كان في جيب كل واحد منهم أكثر من شريحة وأكثر من جهاز، فحمى اللهاث وراء الجديد لم تغز العامة، بل المثقفين والمتعلمين ولا أحسب أن واحداً منا لم تلحقه هذه الحمى في اقتناء أكثر من رقم مهما تفاوتت الحاجات إلى ذلك, والضرورات.
من جهة أخرى لن ننسى أعداد السيارات التي تقف أمام كل بيت مهما اختلفت أسعارها، ولئن ألحقنا الأسباب في اقتناء السيارات لعدم وجود مواصلات عامة عدا الأجرة، وهي ضمن ثقافة المجتمع بعامة تدخل ضمن الإلماح بالفاقة أو ضعف ذات اليد ولا يتقبلها الفرد إلا عند الضرورة، إلا أن أثمان السيارات لم تمنع الفرد من اللهاث وراء القروض من أجل اقتنائها، ومع كل هذه الإحصاءات الدالة على اهتمام الفرد السعودي بكل جديد ليس من باب حب المعرفة وخوض تجربة التآلف مع الجديد وإضافة خبراته أبداً، بل غالباً هو من باب الرفاه، وثقافة التظاهر، في شكلها الأغلب إلا ما ندر.. ومع ذلك فإن النظرة إلى أوجه الاقتناء والتجريب توصلنا من الصغيرة في شأنهما للكبيرة في شأن الاستهلاك العام، وإن الإحصاءات التي ستؤتي نتائجها في البحث عن استهلاك عيادات التجميل، والشراء من كبريات بيوت الأزياء، والاستزادة من شراء أنواع المأكولات، بل الأدوية الخاصة بالرشاقة والتخسيس، وأيضاً التخلص من الدهون الناجمة عن كثرة الأكل، ل إحصاء نسب المدفوعات مقابل شراء تذاكر السفر، ناهيك عن مشتريات النساء من الأحذية والحقائب باهظة الأثمان، كل ذلك يجعل المستهلك المواطن في مصاف المهدرين للدخل الفردي والوطني وهذا ليس مؤشر وعي ولا يدل على رقي الفكر بين الناس،..
كل ذلك ويبقى السؤال: لماذا تربح شركة الاتصالات كل هذه المليارات؟..
ولماذا يصل عدد المشتركين لستة وأربعين مليوناً بينما عدد السكان في كل المملكة لم يصل لهذه النسبة..؟
ربما يحتاج الناس لأمن استهلاكي مقابل بقية منظومات الأمن التي على طاولة اهتمام مؤسسات المجتمع بأفراده.. فهذا الأمر جزء من الأمن الفكري.. بلاشك.