يبدو أن تطورات الأزمة المالية العالمية بدأت تأخذ منحى خطيرا بعد أن كشفت القناع عن آخر تداعياتها وهي أزمة الديون السيادية، فالمصالح الخاصة والضيقة بدأت تطفو على السطح بشكل واضح، وقد يرى الكثيرون أن المصلحة بديهية بعرف العالم، لكن في ظل وجود أزمة تهدد الجميع فلابد من تكاتف الجهود والاتفاق على كل الإجراءات التي من شأنها الخروج من الأزمة بأسرع من المتوقع لها وبأقل الأضرار، لكن ما نسمعه من تصريحات لا يظهر جدية في تجاوز المكاسب الخاصة جدا ولو كان على حساب تعافي الاقتصاد العالمي، فأحد المسؤولين الصينيين رد على مطالب الأمريكان بتعديل سعر الصرف لعملة بلاده بأن هيكلة الاقتصاد الصيني لا تقف عند حدود معايير العملة، ولم تكن أسعار اليوان سببا بالأزمة العالمية وان ما تنتهجه الصين من حلول داخلية لابد أن يأخذ وقته في إشارة واضحة إلى أنهم ليسوا بصدد التفكير بتغيير سعر الصرف، فأميركا تريد تخفيض العجز التجاري مع الصين وكذلك أوروبا الجريحة، بينما الصينيون يرفضون مبدأ مناقشة اليوان في اجتماع قمة العشرين، ويساند صندوق النقد الدولي توجهات الغرب بطلبه ونصحه للصين أن تغير سعر عملتها بالوقت الذي لا يتم الحديث من قبل أي طرف عن ارتفاع ديون أميركا السيادية إلى 93 بالمائة من نتاجها القومي نتيجة حدة الإنفاق العام الذي قفز بالديون لرقم مذهل فاق 13 تريليون دولار أي ما يقارب ضعف ناتج الصين العام.
أما المشهد الأوروبي فتسيطر عليه مصالح الدولة الكبرى، فيه ألمانيا التي تسعى لاستعادة مركزها الأول كأكبر دولة مصدرة بعد أن فقده لصالح الصين فهي سعيدة بتهاوي اليورو لأنها أكبر المستفيدين بالوقت الذي تتشدد في تقديم أي مساعدات للدول المتضررة إلا بعد أن تفاقمت الأزمة لديهم بشكل كبير وعبر جورد سورس عن ذلك بأن تأخر زعماء أوروبا بمعالجة الأزمة سيكون له تبعات خطيرة كطول مرحلة الركود وكذلك موقف المصارف الأوروبية الذي ينذر بكوارث نظير إفراطها بإقراض الدول التي بدأت تعلن عن مشاكلها مع الدين العام بل قال بأن ألمانيا يبدو أنها تتنزه بينما بقية الدول الأوربية تتجه لدوامة طاحنة.
كل هذه الملفات ستفرض نفسها على اجتماع مجموعة العشرين بكندا فالحديث أصبح بين كبرى الدول الاقتصادية عن منافعهم الضيقة بدلا من أن يكون للتعاون والاستمرار به وتطويره الأولوية المطلقة، فالحماية مستمرة إلى الآن بين أميركا والصين وأسعار الصرف جاثمة على صدر الاقتصاد العالمي، ومن يرى أن في ذلك مصلحة له لا يلقي بالا لأي نداء من أطراف متعقلة ترى المخاطر على حقيقتها وفي كل مرة تثار قضية من هنا أو هناك سواء على أسعار الطاقة أو العملات وكذلك مبدأ الإفصاح والشفافية الذي يبدو أنه أكبر الغائبين إلى الآن بالرغم من كل ما أعلن لكن الحقائق مازالت مخفية في دفاتر الدول الكبرى وقوائم مصارفها وتقييم الوضع الائتماني مازال غائبا عن وكالات التصنيف التي لا تقدم على خطوة ملموسة إلا بعد انكشاف المستور أي عندما لا يحتاج أحد رأيهم فعندما تعلن دولة كاليونان تعثرها بسداد ديونها واحتياجها لمساعدة ما قيمة أن يخفض تصنيفها الائتماني بعد ذلك والحال ينطبق على كل ما اتخذ من مراجعات سابقة لهذه الوكالات سواء اتجاه شركات أو بنوك سابقا ودول حاليا فلو أن دولة من الاقتصاديات الناشئة فاقت ديونها 60بالمائة ما ردة فعل وكالات التصنيف بالتأكيد سيتم تعريتها ماليا ووصفها بالمكان الأكثر خطورة لحواضن الأموال وعلى الجميع أن يهرب منها، لكن أي دولة كبرى تتخطى حاجز 100بالمائة لا نسمع شيئا بل يزيدون بالاطمئنان وأن هذه المرحلة لا تشكل خطرا إلى أن تقوم الدولة نفسها بالكشف عن الكارثة عندها لا يصبح لأي تقييم معنى، كل هذا يدخل في سياق المصالح الضيقة حاليا وهي سلسلة متكاملة بين الكبار ووكالاتهم ونظرة شركاتهم ومصارفهم الكبرى بينما الحقائق يتم القفز عليها من خلال إشغال الساحة ببعض ما تتمتع به دول قادمة بقوة كالصين والبرازيل وغيرها مع العلم أن أوضاعها الحالية هي القائمة منذ سنوات ولم يتغير شيء بها بل التبدل حدث عند الآخرين ممن يشكلون إلى الآن أكثر من نصف الاقتصاد العالمي مرحلة مهمة يعيشها العالم اليوم، وأمام قمة العشرين تحدٍ كبير بإعادة ضبط مسار عملية إصلاح الاقتصاد العالمي وإخراجه لمرحلة التكاتف الحقيقي والعمل المشترك بدلا من التوجه نحو النظرة الضيقة وانعكاساتها المؤقتة عليهم فإما الدخول في مرحلة كسر العظم أو تضميد الجراح وإعادة الحيوية للاقتصاد العالمي.