أصبحت أخبار الجرائم تحتل مساحة يومية في الصحف المحلية، و نشر هذه الأخبار له إيجابيات، حيث إنها تعزز الحس الأمني في المجتمع، وتشعر الناس بأن الزمن تغير، وأن علينا مواجهة الواقع، والحرص الشديد على الأنفس والممتلكات. وليس بالضرورة أن يكون هذا الواقع مرضياً ولكنه حقيقة يجب التعايش معها، والتعامل معها بموضوعية؛ فالجرائم لها تبعات اجتماعية واقتصادية، ولذلك يجب الوقوف بحزم شديد أمامها، ولا يمكن التخاذل أو الضعف أمام المجرمين، ويجب أن يسهم المجتمع المدني في مواجهة ازدياد معدل الجريمة في المجتمع.
ويجب في الوقت نفسه أن نبحث في أسباب ذلك، ونعالج المسببات، وأن يكون ذلك بشكل مهني وبمنتهى الشفافية، وعلينا أن نعرف أن البطالة تعزز الإجرام، وأن المخدرات تزيد من معدلات البطالة، وأن التسيب في المدرسة والمنزل والمجتمع يعزز الإجرام. ومواجهة الإجرام مهمة الأجهزة الأمنية ومهمة المجتمع المدني، وتظافر الجهود أمر ضروري. ولفت نظري أن الصحف اليومية تنشر صور مرتكبي بعض الجرائم، سواء كانت تلك الجرائم قتل أو اغتصاب أو سرقة، أو غير ذلك، وتأتي تلك الصور معززة لخبر الجريمة الذي يشير في الغالب إلى قيام الأجهزة الأمنية المختصة بإلقاء القبض على مرتكب الجريمة، أو عصابة مجرمة تتكون من عدة أفراد، وأنه تم تسجيل اعترافاتهم لدى الجهات المختصة وتمت إحالتهم إلى جهة الاختصاص، أي أن هؤلاء الأشخاص تحولوا من درجة الاشتباه إلى مرتكبين فعليين للجرائم. ولكن يلاحظ أن عرض صورهم في الصحف يكون بوقوفهم ثم أخذ منظر خلفي لهم.
لماذا لا تأخذ لهم صور أمامية واضحة؟
فهؤلاء مجرمون حقيقيون، ويجب عرض صورهم للمجتمع، ليعرفهم، وليكون في ذلك عقوبة أولى، حتى يرتدعوا، وحتى يرتدع الآخرين، إذا عرفوا أن صورهم ستنشر في وسائل الإعلام. اسلوب المنظر الخلفي لم افهمه، فما هي الفائدة من نشر الصور إذا كانت هكذا؟
سؤال لم أجد إجابة مقنعة له إطلاقاً
ومناظر أخرى تشوه الوجه الحضاري المأمول لبلادنا العزيزة. ليست في الصحف، كذلك المنظر الخلفي الذي لا يخدم الهدف من نشره، وإنما في شوارعنا، وهي مناظر تعكس سلوكاًً غير سوي، ولكنها ما زالت تتكرر، وتحتاج إلى نظام صارم يحكم التعامل معها، إلى جانب توعية عامة تعيد سلوك بعض الناس إلى جادة الصواب. ومثل هذه الأمور يعتبر من الآداب العامة. وفي ظني أن الصرامة في تطبيق الأنظمة تعيد الناس إلى جادة الصواب.
ولعل مثال تطبيق نظام ساهر هو خير مثال على ما أقول، إذ عاد النظام إلى شوارعنا بنسبة عالية، وأصبح الناس يحترمون إشارة المرور، وخط المشاة. وعلينا أن نعلم الناس احترام الشارع العام بعدم إلقاء المخلفات وأعقاب السجائر والقاذورات، وهذا يحتاج إلى نظام صارم، وعقوبات صارمة، وتوعية اجتماعية شاملة تعيد الناس إلى جادة الصواب؛ لأن لمثل هذه التجاوزات السلوكية ثمن اقتصادي وتكلفة اقتصادية يدفعها المجتمع بأسره. تعود الناس على النظام واحترام آداب الطريق ومراعاة حقوق الآخرين، سيشذب سلوكهم العام ويرفع مستوى الذوق العام في المجتمع، وهذا سينعكس بالضرورة على حياة الناس وتعاملهم مع الآخرين، وكل ذلك سينعكس على أداء الناس وكفاءة الاقتصاد. أمور كثيرة نتجاهلها في حياتنا، ولكنها في حقيقة الأمر أمور مهمة، لأننا إذا تجاوزنا عن الأمور الصغيرة فإننا نتعود في الغالب على ذلك، وبالتالي نتجاوز عن الأمور الأكبر.
* رئيس دار الدراسات الاقتصادية
الرياض