تقرير - حسن الشقطي
كثير منا لا يعرف عن كأس العالم سوى رونالدو البرازيلي بأهدافه الـ 15 أو جيرد موللير الألماني بأهدافه الـ 14.. كما أن كثيرا منا لا يعلم عن بطولة جنوب إفريقيا سوى أن (32) فريقا تتنافس على الفوز بلقب بطولة كأس العالم.. إلا أنه في الحقيقة فإن الأمر تحول كثيرا من مجرد لعبة رياضية إلى اقتصاد دولي متكامل تديره الفيفا.. فضلا عن هذا، فإن كثيرا منا يعتقد أن المساعي الحثيثة من كثير من الدول استضافة كأس العالم إنما من باب التفاعل الرياضي أو الوجاهة البرتوكولية، إلا أن الحقيقة أن الغرض الرئيسي وراء هذه المعارك التي تقودها الدول إنما هو غرض اقتصادي وربما سياسي أكثر من كونه غرضا رياضيا.. فكيف تحولت كرة القدم من مجرد لعبة إلى نشاط اقتصادي تديره وتسطير عليه قوى دولية باتت تملك الثقل الاقتصادي والسياسي؟ وكيف أصبحت كرة القدم تحرك عجلة التنمية في اقتصاديات الدول المستضيفة؟ وقد ظهرت بيوت خبرة استشارية دولية تجري العديد من الدراسات لصالح دول ترغب في التقدم لاستضافة مونديالات قادمة، وقد أثبتت هذه الدراسات مدى جدوى وعظم القيمة المضافة المتوقعة من استضافة المونديال.. حتى أصبح هناك منافسة شرسة على نيل حق الاستضافة.. في المقابل فلا يزال هناك جدل واسع حول أسباب الغياب العربي التام عن استضافة مثل هذا المونديال المهم والحيوي اقتصاديا على الرغم من أن العديد من الدول العربية أصبحت تمتلك من الإمكانات ما تؤهلها لنيل هذا الحق؟
إن الأمر لم يعد مجرد استضافة مباريات لكرة القدم، وإنما أصبح ترويجا ودعما لأنشطة وقطاعات اقتصادية عديدة، أهمها التجزئة والسياحة والإقامة والطيران والصناعات الغذائية والملابس، فضلا عن أنه على الرغم من قصر فترة المونديال، إلا أنه قادر على خلق مئات الآلاف من الوظائف الجديدة المؤقتة، التي قد تتحول أعداد كبيرة منها إلى وظائف دائمة.. إننا في هذا التقرير نسعى لرصد مدى جدوى الاستضافة، وآثارها الاقتصادية على الدولة المستضيفة؟
الرياضة «كرة القدم» في معادلة الأهداف التنموية للألفية الثالثة للأمم المتحدة..
الهدف الأول: القضاء على الفقر الشديد والمجاعة.
الهدف الثاني: تعميم الرياضة في التعليم الابتدائي
الهدف الثالث: تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة
الهدف الرابع: مساعدة النساء والأطفال في بناء وتعزيز الثقة والاندماج الاجتماعي.
الهدف السادس: مكافحة مرض فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب - الإيدز، الملاريا وغيرها من الأمراض.
الهدف السابع: ضمان الحفاظ على البيئة واستدامتها.
الهدف الثامن: تطوير شراكة دولية من أجل التنمية.
أي أن الرياضة لم تعد مجرد ألعاب للترفيه، ولكنها أصبحت ضمن المخططات الرئيسية للأمم المتحدة لتحقيق التنمية للألفية الجديدة.
العوائد الاقتصادية للمونديالات..
أي مونديال يحقق عوائد للفيفا ويحقق عوائد أخرى للدول المستضيفة.. فالفيفا تحقق عوائد مجزية في غالبية الأحيان نتيجة حقوق البث التليفزيوني، وحقوق التسويق، وحقوق الاستضافة، وحقوق الترخيص، وغيرها. في المقابل يحقق المونديال عوائد مباشرة وغير مباشرة لاقتصاديات الدول المستضيفة، من أهمها تأثير المونديال على حركة النشاط الاقتصادي المحلي، وعلى رأسها الفنادق والسياحة والمطاعم، فضلا عن تأثير المونديال على سوق مبيعات التجزئة.
عوائد المونديالات السابقة للدول المستضيفة..
تشير إحدى الكتابات إلى أن مونديال عام 2006 حقق للاقتصاد الألماني عوائد بقيمة 3.5 مليار دولار، في حين أن المونديال الحالي لعام 2010 من المحتمل أن يحقق حوالي 4.0 مليار دولار للاقتصاد جنوب الإفريقي، ويتوقع أن ترتفع هذه القيمة إلى حوالي خمسة مليارات دولار إذا تمكنت الولايات المتحدة من استضافة أيا من مونديالات 2018 - 2022، بل تشير احدى الدراسات الاقتصادية إلى أن استضافة الولايات المتحدة لهذا المونديال سيضيف للاقتصاد الأمريكي ما يعادل 150 ألف وظيفة جديدة.
بطولة 2006 بألمانيا عوائد أعلى من المتوقع
ذكرت تقارير صادرة عن الحكومة الألمانية أن عائدات السياحة خلال شهر كأس العالم وصلت إلى حوالي 400 مليون دولار. كما وصلت إيرادات مبيعات التجزئة للعديد من المنتجات، أهمها التيشرتات وأدوات رياضية أخرى تتعلق بالكأس إلى حوالي 3 مليار دولار. كما أن البطولة أضافت حوالي 50 ألف وظيفة جديدة للاقتصاد الألماني. فضلا عن المطاعم وأماكن المشروبات عملت بكامل طاقتها خلال كل أوقات البطولة، وبخاصة أن عدد المشجعين الذين زاروا ألمانيا وصل إلى حوالي 15 مليون مشجع، بشكل أعلى مما كان متوقع.
مليارات رعاية كأس العالم.. استثمار وقيمة مضافة
تعد كأس العالم FIFA، التي تقام كل أربع سنوات، أكبر الأحداث الرياضية العالمية شأناً والأكثر شعبية لدى الجمهور، فهي تقدم قيمة إعلامية يمكن قياسها، وفرصة حقيقية للوصول للمستهلكين الأساسيين، وتعزيز مصداقية العلامة التجارية في عالم كرة القدم، وتوسيع حدود الولاء لأي علامة تجارية من خلال أدوات تسويق تعزز من قيمة المبيعات.
وعلى الرغم من أن كأس العالم FIFA تعتبر حدثا مميزا، فإن FIFAتشرف أيضاً على العديد من الأحداث التي تحظى باهتمام عالمي ومتنوع، فمع ما يزيد على 450 مباراة وعشرات الآلاف من ساعات البث التليفزيوني المباشر المتوقعة خلال فترة الحقوق، ستصل هذه البطولات إلى أسواق كرة قدم جديدة وناشئة مثل: الصين وكندا وجنوب إفريقيا.
أنواع الرعاية لكأس العالم.. شريك وراع ومؤيد
بدأ FIFA عصراً جديداً بعد مرور أكثر من 100 عام على تأسيسه وذلك من خلال عمل تغييرات جذرية في استراتيجيته التجارية. يغطي برنامج رعاية FIFA الفترة من 2007-2014، بما في ذلك أحداث كأس العالم FIFA الرئيسية في عام 2010 و2014، حيث يتوزع الآن شركاء التسويق المتوقعين على ثلاث فئات: شريك FIFA وراع كأس العالم FIFA ومؤيد وطني.
يتمتع شريك FIFA بأعلى مستويات التعاون مع FIFA وباختصار يعني هذا امتلاكه مدى واسعاً من حقوق ممارسة نشاطات FIFA، سواء كانت الاشتراك في البطولات، أو الأحداث الخاصة، أو وضع البرامج، إضافة إلى مزايا تسويقية حصرية.
في المقابل، تقتصر حقوق راعي كأس العالم FIFA على كأس العالم FIFA عالمياً، وتشمل حقوقا حصرية في مجال منتجه، العلامة التجارية، نشاطات تسويقية مختارة، وتغطية إعلامية غير مباشرة.
أما المؤيد الوطني فهو نوع من العلاقة يسمح للشركات المحلية بربط منتجاتها بكأس العالم FIFA داخل الدولة المضيفة، وتشمل حقوق حصرية في مجال منتجه، والربط بين كأس العالم والمنتج المحلي، وبرامج تسويق محلية، والظهور في وسائل الإعلام المحلية.
وتشير الفيفا إلى أنه أسست هذه الأنواع الثلاثة رغبة منها في تكوين روابط وثيقة بين الشركات التي تريد وتستطيع دعم كرة القدم عموما، وليس فقط كأس العالم FIFA. فضلا عن حاجتها إلى التصدي للتباين المتزايد بين القيمة والمردود للعقود التسويقية المختلفة. كما أنها فرصة للتفرقة بين احتياجات ومطالب بعض الشركات - الفئات مقابل أخرى.
عدد (17) راعيا لبطولة 2010 بإيرادات تصل إلى 1.8 مليار دولار..
يصل عدد الرعاة لبطولة 2010 إلى حوالي (17) راعيا ما بين شريك للفيفا وراع رسمي ومؤيد وطني.. وتصل قيمة الرعاية كحد أدنى إلى 906 مليون دولار، في حين تصل بحد أقصى إلى حوالي 1.8 مليار دولار. وتستخدم هذه الإيرادات في الإنفاق على البطولة وتقديم الجوائز، فضلا عن الإنفاق على تسهيلات رياضية داخل الدولة المستضيفة.
الجدل حول استضافة الدول النامية لمونديال كأس العالم
رغم أن استضافة مثل هذه المونديالات يحقق عوائد كبيرة لاقتصاديات الدول المضيفة، بعضها عوائد مباشرة من تنشيط العديد من قطاعات النشاط الاقتصاد المحلي، وبعضها عوائد غير مباشرة، مثل الترويج لزيادة التجارة الدولية وتشجيع المستثمرين الدوليين للاستثمار الأجنبي المباشر، إلا أنه في الوقت ذاته يضغط على ميزانيات هذه الدول خلال فترة الإعداد والتجهيز للاستضافة، وبخاصة إذا لم تكن البنية التحتية فيها معدة ومهيأة بشكل كامل لهذه الاستضافة.. وهذا كان أحد أوجه انتقاد الكثير من الاقتصاديين لاستضافة جنوب إفريقيا لمونديال 2010.. فالاقتصاد الجنوب إفريقي على الرغم من ما حققه من إنجازات على صعيد النمو الاقتصادي ، إلا أنه لم يصل إلى مرحلة اكتمال البنية التحتية القادرة على استضافة مونديال بهذا الحجم وتلك المتطلبات، لذلك، فقد اتجهت حكومة جنوب إفريقيا إلى ضخ إنفاق حكومي في حدود 3.5-4.0 مليار دولار لتلبية متطلبات الاستضافة، من حيث تجهيز وتحسين بنية الملاعب والخدمات الطبية والأمنية وخدمات الإقامة وغيرها.. وعليه، وإذا كانت العوائد المحتملة من المونديال للاقتصاد الجنوب إفريقي تقترب من 4 مليارات دولار، فإن القيمة المضافة الحقيقية للاقتصاد الجنوب إفريقي تعتبر لا شيء تقريبا.. هذا على النقيض من استضافة ألمانيا أو اليابان وكوريا للبطولتين السابقتين اللتان لم تكلفهما شيئا كبيرا، وكانت فيهما القيمة المضافة عالية جدا.. أي أن استفادة الدول المضيفة من هذه المونديالات مرتبط في حقيقة الأمر بمدى جاهزية بنيتها التحتية، وعدم هذه الجاهزية يجعلها تنفق أكثر مما تستفيد.
420 مليون دولار مكافآت الفرق المشاركة في بطولة عام 2010
رصد الاتحاد الدولي لكرة القدم حوالي 420 مليون دولار لتقديم مكافآت نقدية للفرق المشاركة في بطولة 2010 بجنوب إفريقيا، وذلك بزيادة بنحو 60% عن بطولة عام 2006 في ألمانيا. حيث سيحصل كل فريق قبل البطولة ولمرة واحدة على مليون دولار لتغطية تكاليف الإعداد، على أن تحصل الفرق التي تخرج من دور المجموعات على 8 ملايين دولار، ويوضح جدول (1) تقسيم الجوائز على الفرق المشاركة في البطولة.
قيمة التأمين على كأس العالم 2010 بلغت 9.03 مليار دولار
أكدت شركة «لويدز»، أكبر شركة تأمين في العالم، أنه جرى تأمين بطولة كأس العالم في جنوب إفريقيا بأكثر من 9.03 مليار دولار.. حيث صدرت بوليصات تأمين لمصلحة الفيفا والمنتخبات الوطنية المشاركة ووسائل الإعلام وغيرها من الشركات التي لها نصيب من البطولة.. وبلغت قيمة تغطية التأمين للملاعب وتسهيلات التدريب لمباريات كأس العالم حوالي 4.6 مليار دولار، وفقاً للضامنين. كما جرى تأمين فرص العمل الأخرى المرتبطة بكأس العالم بنحو 4.3 مليار دولار.
منطقة الشرق الأوسط خارج نطاق الاستضافة
من الأمور اللافتة للنظر أن الدول العربية كلها خرجت خارج نطاق الاستضافة لمونديال كأس العالم، بل أكثر من هذا فإن منطقة الشرق الأوسط ككل ظلت منذ بدء هذا المونديال في عام 1930 خارج نطاق المنافسة على استضافته.. ومن الملاحظ أن الدول السبع الكبرى تناوبت على استضافة هذا المونديال، ونالت حظها بوفرة، فإيطاليا استضافت المونديال مرتين وفرنسا أيضاً مرتين وألمانيا مرتين والمكسيك مرتين، في حين نالت بقية الدول الكبرى مرة على الأقل.. الأمر الذي جعل استضافة المونديال حكرا على الدول الصناعية أو المتقدمة الكبرى، باستثناء أورجواي وتشيلي تقريبا.
الغياب العربي.. بين مخاوف المغامرة وضعف الفكر التسويقي
الغياب العربي عن مونديالات كأس العالم ليست قصرا على مجرد عدم رغبة الدول العربية في استضافة بطولات كأس العالم، أو خوفا من عدم قدرتها على تلبية متطلبات هذه الاستضافة، وإنما نابعة عن مخاوف قد تكون بعضها مخاوف فعلية وقائمة، وبخاصة في ظل وجود نوع من التوتر السياسي في منطقة الشرق الأوسط إما نتيجة استقدام أعداد كبيرة من المشجعين من دول مختلفة أو القلق من حدوث مناوشات أو التحامات ما بين مشجعي الفرق المتنافسة، أو القلق من خلق ضغوط على البنية التحتية للدولة خلال فترة قصيرة، أو الخوف من استغلال اختراق الحدود للدولة المستضيفة بغرض ممارسة أنشطة غير شرعية أو غيرها.. وإذا كانت هذه المخاوف مقبولة لبعض الدول، فإنها غير مقبولة للكثير من الدول البعيدة عن الأحداث الساخنة.. فالعديد من الدول العربية مستقرة سياسيا، وينبع غيابها عن استضافة المونديال من قصور في الفكر الاقتصادي أو التسويقي، حيث إنها لم تدرك حتى الآن مدى أهمية تنظيم مثل هذا المونديال المهم ومدى تأثيراته الإيجابية اقتصاديا.
(*) محلل اقتصادي
hassan14369@hotmail.com