ذكر الأستاذ عبدالرحمن الرويشد في رأي له نشر في صحيفة الجزيرة بتاريخ 28-6-1431هـ ما ذهب إليه الباحثون المتخصصون عما تمخض عنه اللقاء بين الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب في بيت محمد بن سويلم
في الدرعية في منتصف القرن الثاني عشر الهجري، ولقد ذكر أن الاتفاق بين الإمامين يعتبر مبايعة وليس معاهدة.
إن صاحب المقال أشكلت عليه المفاهيم حول ما تم بين الإمامين هل يعتبر اتفاقاً أو معاهدةً أو مبايعةً أو تحالفاً؟ وأستغرب من شخص ذي خلفية في اللغة العربية أن يتوه بين هذه المصطلحات، وقد لا يلام، فهنالك أبعاد تاريخية وقانونية ترتبط بالموضوع. إن ما حدث لا يعتبر بيعة، حيث إن الإمام محمد بن عبدالوهاب جاء للدرعية وفيها حاكمها الإمام محمد بن سعود، وتتم البيعة حالما يكون هنالك شخص سوف يتقلد الحكم، وشهد التاريخ مبايعات تتم لحاكم آخر حالما لا يكون الحاكم مناسبا للحكم لأي سبب من الأسباب.
وإذا استبعدنا كون الاتفاق الذي حصل في بيت ابن سويلم «بيعة» حيث إن البيعة الرسمية تكون في مكان عام كقصر الحكم وليس في منزل، والعادة أن يسعى المبايع إلى المبايع له، وكل ذلك لا ينطبق على الحادثة التاريخية التي نحن بصددها. ومن الحوار الذي حصل بين الإمامين ومفردات الحوار وما تضمنه من شروط يرجح أن يكون اتفاقاً أو تحالفاً أو معاهدةً، وبالتأكيد ليس «مبايعة». ويمكن أن يضاف أن المبايعة عامة في مدلولاتها وجماعية في تطبيقها، ومن المعلوم أنها ليست فرض عين، بل إذا قام بها البعض أجزى ذلك عن الباقين. وهنا أقول إن أي حدث تاريخي مرهون بظروفه الزمنية والمكانية وهذا ما انطبق على ذلكم الاتفاق الذي حدث في منزل ابن سويلم في الدرعية.
تمعن قارئي الكريم في مفردات الحوار السابق للاتفاق بين الإمامين المصلحين، كل في مجاله، قال ابن سعود للشيخ: «أبشر ببلاد خير من بلادك وأبشر بالعزة والمنعة»، وقال الشيخ لابن سعود: «أنا أبشرك بالعزة والتمكين وهذه كلمة لا إله إلا الله من تمسك بها وعمل بها ونصرها ملك بها البلاد والعباد وهي كلمة التوحيد وأول ما دعت إليه الرسل من أولهم إلى آخرهم وأنت ترى نجدا وأقطارها أطبقت على الشرك والجهل والفرقة وقتال بعضهم بعض فأرجو أن تكون إماماً يجتمع عليه المسلمون وذريتك من بعدك» المصدر: ابن بشر، عنوان المجد، (1)، ص. ص. 11،12.
ويشير الكاتب إلى أن البيعة شرعية ولكنه لم يحدد خصائصها ولا استحقاقاتها ولا شهودها، إذ إن البيعة الشرعية تكون في مجمع من الناس وفي مكان عام، وما حدث كما ذكرت كان أقرب إلى الاتفاق أو التحالف أو المعاهدة وليس «بيعة». وذكر أن ما حصل بين الإمام والشيخ مفهوم لا لبس فيه ينص على أن الإمارة لآل سعود في ظل مفاهيم الشرع الإسلامي وفقهه الموثق وإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك بالتأكيد، فنحن بصدد اتفاق أو معاهدة لا غبار عليها، إذ إن المبايعة لا تتضمن نصاً بل عبارات شفوية يتفوه بها المبايع للمبايع له مثلما يتم عقد بيع بصفة شفوية بين البائع والمشتري.
ثم يذكر الرويشد أن الشيخ وافق على الذي دار بينه وبين الأمير، وهنا نقول: الموافقة تدل على أن ثمة اتفاق حصل في بيت ابن سويلم بين الإمامين كل فيما يخصه: فلقد شرط ابن سعود على الشيخ بشرح مفاهيم دعوته والمناضلة عنها بلسانه وقلمه، وتعهد الأمير حماية الدعوة بزعامته وسيفه، فكيف تكون هذه مبايعة في الوقت الذي تتضمن اتفاقاً وعهداً منصوصاً على مضامينها وأهدافها ووسائل تطبيقها وتوقع لمجريات الأمور في المستقبل المنظور القريب منه والبعيد. ويذكر الكاتب أن البيعة أقوى إلزاماً وأكثر تأثيراً من كل حلف أو معاهدة أو اتفاق، ولكنه لم يذكر السبب، فيا ترى ما رأيه بالاتفاقيات والمعاهدات والتحالفات والمصالحات التي تتم في كل عصر ومكان؟
وأعرّج على ما ضمنه الرويشد في مقالته وما احتوته من بعض المفردات والمفاهيم ومن ذلك قوله في حق إمام الدعوة إنه فشل في إقناع ابن معمر، أمير العيينة، بالدعوة، والواقع أنه نجح في إقناعه ولكن ابن معمر كان تحت ضغوط من زعيم بني خالد في الأحساء. وتعتبر دعوة الشيخ ناجحة منذ البداية إذ كانت موجهة لعامة الناس قبل خاصتهم، كما أنه من المعروف أن السياسة تؤثر على كل شيء. ولو كان الكاتب طالبا في التاريخ لأدرك أن الدعوات الإصلاحية، الدينية منها والاجتماعية، تستهدف عامة الناس قبل خاصتهم. وكان هدف دعوة الإمام بن عبدالوهاب تحقيق التوحيد الخالص لله وحده سبحانه وتعالى، واستثمرها الإمام ابن سعود لإصلاح الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
وبغض النظر عن ما ورد من مفاهيم ومصطلحات حول ما دار بين الإمامين، رحمهما الله تعالى، فإنه وبحمد الله هنالك بناء وكيان متماسك بين القيادتين السياسية والدينية. تمعّن معي قارئي الكريم في الكلمات التي ألقاها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز في حفل تخريج الدفعة الرابعة والخمسين لطلاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية للعام الجامعي 30-1431هـ، قال الأمير: «أيها الإخوة لقد بدأت هذه الجامعة من المعهد العلمي في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله وكان تحت إشراف والدنا الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله هنا الاستمرارية والحمد لله من إمامنا محمد بن سعود والإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والحمد لله نرى الآن هذه الدولة التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ومفتينا الشيخ عبدالعزيز حفيد الشيخ محمد بن عبدالوهاب. «
إن من الوطنية أن يشحذ الزعماء والحكام الهمم في نفوس شعوبهم وفي أجيالهم الشابة ويغرسون «حب آبائهم المؤسسين». لقد تعاهد الإمامان العظيمان على نصرة الدين أولا ثم نصرة بعضهما الآخر ثم عقدا العزم على نشر الدعوة بالقلم وبالحسام، وقامت الدولة وامتدت امتدادا عظيما.
ومن باب شكر النعمة، التي أنعم الله بها على هذه البلاد منذ فجر قيام الدولة في الدرعية وعبر الدولة السعودية الثانية ومن ثم قيام المملكة العربية السعودية، جزى الله موحدها ومؤسسها ما يجزيه عباده الصالحين وبارك الله في عقبه وفي الأسرة الحاكمة خير الجزاء، الذين يلهجون بذكر المعاهدة التاريخية العظيمة، بين الإمامين محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب طيب الله ثراهما، اللذان اجتمعا لهدف نبيل وغاية عظيمة ووفقهما الله لصفاء نواياهما وحبهما للخير وتفانيهما في الذود عن كلمة التوحيد. نتحدث عن بلد قام على أساس متين، ويعود الفضل بعد الله إلى الأجداد «الآباء المؤسسين» وجميعنا في هذا البلد نعيش بحمد الله في نعمة عظيمة يريد الحساد، نعم الحساد، أن تزول ولن تزول بحول الله. حكام هذه البلاد يذكرون في خطاباتهم، وفي جميع المناسبات، ما تم بين الإمامين المؤسسين. ولقد نهج أبناء الإمام محمد بن سعود رحمه وأحفاده من الملوك والأمراء على هذا المنهج وتربوا في مدرسة التوحيد «توحيد الله في العبادة والاعتصام بكلمة التوحيد».