تناول كثير من رسامي الكاريكاتير وكتّاب الأعمدة الصحفية أزمة توقيت مونديال كأس العالم مع اختبارات الطلاب والجامعات، واختلفت الأطروحات ما بين السخرية من حالة الطلاب، وما بين الاتهامات المتطايرة ضد هذه الجهة أو تلك، وكأنما الأمر هو نهاية العالم!
منذ أكثر من عشرين عاماً وكل أربع سنوات تتعارض اختبارات نهاية العام لدينا، مع انطلاقة المونديال، ولا أحد يكترث كثيراً بالأمر، فما الذي تغيّر إذن؟
ما تغيّر هو أنه لم تكن هناك قنوات فضائية كما هي الآن، بل مجرّد بضع مباريات تنقلها قناتنا الرسمية الوحيدة، ولم يكن أفضلنا يعرف أكثر من لاعب أو اثنين في كل منتخب مشارك، بينما معظم الشباب الآن، وربما الأطفال، يعرف حتى من يجلس على دكّة الاحتياط في منتخب سلوفاكيا أو كوريا الجنوبية، فضلاً عن قدراتهم على التحليل لطريقة لعب كل فريق، إلى درجة أنك تشعر بالمحلّل الرياضي خالد الشنيف يجلس أمامك!
لم نكن نتابع آنذاك إلا منتخبنا أو المنتخبات العربية المشاركة، وتجاوزاً نتابع منتخب البرازيل أو الأرجنتين، بينما شباب اليوم يعرفون تاريخ تيري هنري الرياضي وتنقّلاته بين الأندية الأوربية، أكثر مما يعرفون تاريخ الدولة الأموية أو العباسية!
لم تكن لدينا تجمّعات حول المباراة، أكثر من زيارة صديق إلى منزلك أو العكس، بينما الآن يتجمّع عشرات، وربما مئات الشباب في المقاهي التي انتشرت في الرياض، حتى أصبح بين كل مقهى ومقهى آخر، مقهى ثالث، تبث شاشاتها المسطّحة الحديثة ذات الدرجة العالية من الدقة، المباريات حتى تشعر بأنك تغلي في مدرجات ملعب سوكر سيتي في جوهانسبرج!
إذن، الزمن والظروف على مدى عشرين عاماً تغيّرت كثيراً، مما جعل كثيراً من الزملاء في الصحافة يقلقون على أوضاع الطلاب، الذين اختلط في أذهانهم جدول الاختبارات بجدول المونديال، وتداخلت جهود اللاعبين بجهود المرابطين في الأندلس، والتهمت المستديرة المجنونة كوكب الأرض وخرائط العالم.
لكن ما يثير الدهشة، أن يلوم البعض وزارة التربية والتعليم، وربما مجلس الشورى، الذي لم يراع أمزجة الطلاب، ويدرس تقديم الاختبارات أو تأجيلها، وخصوصاً أن موعد المونديال معروف منذ سنوات! هل يعقل أن تصل حمّى جنون الكرة بأن نبرمج جداولنا ومدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا ودوائرنا الحكومية على جدول السيد جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم؟
وهل يمكن أن نستوعب اتهام البعض بأن توقيت المونديال مع اختبارات نهاية العام هي مؤامرة مدروسة؟ يا ساتر! مؤامرة ممن؟ ومَن له مصلحة في فشل بعض الطلاب غير المبالين، ممن لا يستطيعون التمييز بين مستقبلهم الدراسي والوظيفي وبين متعتهم الوقتية بالاسترخاء وملاحقة كرة مجنونة لمدة ساعة ونصف؟
كيف وصلت بنا الحال بأن يقول أحدهم، بأن الاختبارات تنظّم كل عام، وكأس العالم تنظّم كل أربع سنوات، فلا تضيّع فرصة لا تتكرر إلا كل أربع سنوات!
أظن أن الأمر، يمكن أن يحسم عقلانياً بواسطة الأسرة نفسها، تلك التي تدرك أهمية مستقبل أفرادها العلمي، وتدرك أيضاً الجانب الترفيهي الذي يمكن منحه في أوقات الفراغ فقط.
قلوبنا مع الطلاب والطالبات، ودعواتنا لهم بالتفوق والنجاح.