الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
كتاب الله جل وعلا أفضل كتب الله وأجمعها وهو المهيمن عليها وهو خاتم المعجزات جمع الله فيه من الأسرار والحكم ما جعله صالحاً للبشرية إلى قيام الساعة تكفل الله بحفظه فلم يكل حفظه لأحد من الخلق {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. هو شرف هذه الأمة وعزها وسبب مجدها؛ {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}، القرآن معجزة رسولنا - صلى الله عليه وسلم - الخالدة فالأنبياء جميعهم انقرضت معجزاتهم بموتهم والقرآن هو الباقي. هذا القرآن دستور هذه الأمة يحكمونه ويتحاكمون إليه ويرضون بذلك {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}. هذا الكتاب من تمسك به كان سبباً لنجاته وفوزه وفلاحه {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} يهدي لمكارم الأخلاق وفضائل الأعمال يثبت العقيدة ويرسخ الإيمان ويرسم الطريق {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}. هذا القرآن إذا قرئ على حقيقته وفهم على مراد الله ومراد رسوله فإنه يقود للخير ويهدي لأقوم الطريق.
إن المصيبة تأتينا من أمرين:
1- معرض عنه لا يراه حُكماً ولا حَكماً ولا يرفع به رأساً.
2- وغالٍ فيه لم يفهمه على مراد الله ولا مراد رسوله ولا فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين وهذا النوع مع تلاوتهم له بألسنتهم فهم لم يعقلوه فقد حذرنا رسول الله من هذه الفئة فقال عن الخوارج: يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية فقتلوا المسلمين واستباحوا دماءهم وحكموا على الأمة الإسلامية بالكفر والضلال وذلك كله لأنهم لم يفهموا كتاب الله جل وعلا وأن القرآن سبب للهداية لمن تدبر معانيه قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} فهو سبب لسعادة الأمة وعزتها ما قامت به. وهو حكم بيننا منذ نزل حتى يرفع من السطور والصدور. ولقد بذل الأعداء جهوداً كبيرة ليغيروا معاني القرآن ويقدحوا فيه ويشككوا في صدق تعاليمه لكن الله حفظه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}. إن عالمنا الإسلامي يتعرض لحملات مغرضة ظالمة تريد النيل من القرآن والسنة، تريد تمزيق هذه الأمة وتجعلها أحزاباً وجماعات وفرقاً وشيعاً ولا ملاذ لنا إلا بالعودة لكتاب الله وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
إن ما تعرضت له بلادنا من فئة ضلت سواء السبيل -نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين- كان نتاجاً لسوء الفهم لكتاب الله ودعاة السوء.
إن هذا القرآن عصمة لمن أخذ به يدلك على خيري الدنيا والآخرة ويرسم طريق تعاملك مع الناس ويبين لك سبل الهدى وطرق التعاون على البر والتقوى. نسأل الله أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وأن يرزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار. كما أسأله سبحانه وتعالى أن يحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه وأن يوفق ولاة أمرنا لكل خير يحبه ويرضاه وأن يوفق القائمين على هذه المسابقة لكل خير وأن يجزي خادم الحرمين الشريفين خير الجزاء على تكفله ودعمه لهذه المسابقة المباركة.
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء