في يوم الخميس المصادف للرابع من شهر يونيو للعام المنصرم 2009م الموافق (11 جمادى الآخرة 1430هـ) ألقى الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما، خطابه الخاص للعالم الإسلامي من مسرح القاعة الكبرى في جامعة القاهرة بجمهورية مصر العربية..
... تضمن الكثير من النقاط الإيجابية والوعود السياسية وعبارات الدبلوماسية الذكية، فهل تذكرون العناصر الرئيسة لذلك الخطاب الشهير ؟، الذي سرق لب المتأمركين وأكد الأمل للمتفائلين بتغير السياسة الأميركية الخارجية في العالم نحو العدالة في حقوق الإنسان والنزاهة في المواقف والقضايا التي تهم أمتنا الإسلامية وتحديداً وطننا العربي، خاصة ً أن الرئيس أوباما فاز بالانتخابات الأميركية تحت شعار (التغيير) خلاف ما كان عليه سلفه من مواقف متطرفة وحروب مجنونة، جعلت الأميركيين يسألون أنفسهم : لماذا يكرهنا العالم؟
لن أشغل بالكم لاستحضار تلك العناصر، فغالبها استهلاكي في عرف السياسة الأميركية، ولن أحرك مكائن البحث عنها في أقبية ذاكراتكم التي طفحت بآلام وأوجاع الأمة الإسلامية في فلسطين والعراق وأفغانستان والسودان وغيرها، ومن ثم المقارنة مع التطبيقات الحقيقية على أرض الواقع بين (نص الخطاب) و(فعل الصواب)، نعم لن أزيد آلامكم، إنما سأستعرض تلك العناصر مع التعليق على أهمها.
ركّز خطاب الرئيس أوباما على قضايا متعددة أبرزها، (القيم الحضارية) التي تشكل قواسم مشتركة بين الشعب الأميركي والعالم الإسلامي، وانعكاس ذلك على الواقع بظهور (الصور السلبية) المتبادلة بين الأميركيين والمسلمين داعياً إلى تصحيحها، كما ركّز على (المواقف الأميركية) المتعلقة بأهم القضايا السياسية في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وكذلك مسائل التنمية والاقتصاد والمرأة والحريات الدينية .. وغيرها . بالنسبة للقيم الحضارية المشتركة فهذه غير مستغربة في أن تكون أول أو صدر الخطاب الأوبامي لأنها من باب الدبلوماسية الذكية التي تستقطب عاطفة المستمع كي يستمر في متابعة الخطاب، ولكن العبرة في التطبيق الفعلي لتلك القيم الحضارية بعدالة دقيقة ونزاهة عالية، وبالذات رد الحقوق لأهلها ووقف العدوان ومن ثم النظر إلى تعزيز العلاقات بالمصالح المشتركة.
أما مواقف السياسة الأميركية من قضايا عالمنا فهي لب خطاب أوباما، بل هي الإثبات على أن هذه المواقف لم ولن تتغير بتغير الرئيس الجالس في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، لأنها مرتبطة بالمصالح القومية الأميركية، وهذا ما عبّر عنه الرئيس أوباما صراحة ً، بل وأثبتته أيام السنة الأولى من رئاسته. فالوضع في العراق لم يتغير لأن أميركا لم تقطع البحار حتى تعود أدراجها، والوضع في أفغانستان زاد تعقيداً وسوءاً، ففي الوقت الذي يتدفق فيه الجنود الأميركيون إلى الأراضي الأفغانية الوعرة لتعزيز قوات تحالف الناتو، تحقق حركة (طالبان) انتصارات فارقة في معركة الوجود على الأرض بالسيطرة على مناطق شرقية وجنوبية مقابل حكومة كارازي التي راحت شعبيتها تتراجع بشكل كبير بسبب عدم وفاء الحكومات الغربية بوعودها الاقتصادية والتنموية التي تمس حياة الأفغاني البسيط الذي راح يدفع حياته ثمناً لقصف عشوائي بنيران صديقة.
في ذات السياق فإن الموقف الأميركي من وضع الصراع (العربي الإسرائيلي) لم يخرج عن مسار ال(60 عاماً) الماضية قيد أنملة، وبهذا ُيكرر الرئيس أوباما سلبية هذا الموقف، كون إدارته تستمر في سياسة (الكيل بمكيالين) لقضايا أمتنا، ولعل آخر صور المشهد هو موقف هذه الإدارة من العدوان الإرهابي الإسرائيلي على أسطول الحرية، فضلاً عن الازدواجية الواضحة في تعامل إدارة أوباما مع الحق الفلسطيني والعربي بشكل ٍعام مقابل حماية أمن إسرائيل، فلقد طالب في خطابه الدول العربية إلى مساعدة الفلسطينيين للاعتراف ب(شرعية) إسرائيل، وأن مبادرتهم للسلام بداية مهمة، ولكن ليست نهاية مسؤولياتهم، في مقابل ماذا؟.. مقابل رفض (استمرار المستوطنات)، لاحظ أنه لم يطالب ب(إزالته)، وهذا يفسر بطريقة غير مباشرة تلك المسرحية الهزلية التي طار بها الإعلام الأميركي عن توتر العلاقات بين واشنطن وتل أبيب بسبب المستوطنات.
Kanaan999@hotmail.com