بعض العبارات لها مدلولات عظيمة، تستظهرها من الواقع حين تصطدم مصالح بعضهم، ويحتدم الخلاف بينهم، وتطل الانتهازية، ومحاولة الإقصاء في أبشع صورها في بعض المواقف والمناسبات، من تلك العبارات المأثورة (كلام الأقران عن الأقران يطوى ولا يروى). هذه التعبير الهادف أكثر ما يستشهد بها ويستدل هم علماء الدين، والفقهاء، ومن في حكمهم، باعتبار هذه الخصلة المذمومة أحيانا أكثر ما تقع بين هذه الفئات، إما انتصاراًً للحق والفضيلة، أو للنفس وهواها، ثم إن هذه الفئة تمتلك من الحجج والبراهين والأدلة العقلية والنقلية أكثر من غيرهم، ولهم حق الاجتهاد والتأويل، فضلا عن الاعتماد عليها في مفاصل القرار ببعض البيئات، ونفوذهم الواسع، وهيمنتهم الضاربة على مجريات الأمور.
بصفة عامة الغيرة والتنافس بين أصحاب المهنة الواحدة موجودة، وليست سلبية في جميع أحوالها، إذا كان العقل هو قائدها ورائدها، لكن المعاصرة، كما قيل: سببٌ للمنافرة والمشاحنة، ومن هنا روي عن (ابن عباس) إن صحت تلك الرواية أنه قال: (العلماء أشدّ تغايراً من التيوس في زُرُبها)، وعلى هذا فالتطاول، والطعن، والنقد من باب الحسد موجود منذ القدم بين الأنداد، وتبرز بصورة واضحة وجلية في العصور المادية البحتة كعصرنا هذا . ومن هنا سلك النقد فيما بينهم مسلكاً سلبيا ومؤثرا، وبصورة تدعو للامتعاض والاستهجان مما آلت إليه صورة بعضهم في المجتمع، رغم هالات التقدير، والاحترام، والتبجيل التي منحوا إياها، أو اصطنعها بعضهم لنفسه، حتى فقدت المصداقية، واهتزت الصورة الإيجابية لما يعتقد أنه النموذج، ولحق الأذى والإحراج، واللمز والغمز قيادات ومراجع هذه النخب.
من الطبيعي ألا تقتصر هذه المعارك الجدلية التي تقودها المصالح أحيانا على هذه الفئات، بل نجدها تطال السياسيين، والوزراء، ومن دونهم، ممن يكتب له تسنّم ذروة القيادة، فما أن يتربّع أحدهم على الكرسي حتى يبدأ تصريحا، أو تلميحا على (فتح ملف الفساد)، والقضاء عليه ومحاربته على سبيل المثال، أو يشير بصورة أو أخرى إلى التقليل من سلفه. هذا إذا لم يعمد إلى تغيير عشوائي غير مدروس ومنظّم، وكأن ذلك النظام القائم، أو الشخصيات التي ساهمت في بنائه وصناعته من كوكب آخر، أو كأنه هو فريد عصره، ووحيد زمانه.
من المؤكد أن هناك رجالا أوفياء، مخلصين، وعلماء ربانيين، صادقين في أقوالهم وأفعالهم، يستشعرون رقابة الضمير، وهم يصولون ويجولون في معترك هذه الحياة . هذا الصنف القليل من الناس لا يزيدهم العلم، أو الموقع والمكان إلا تواضعا واعترافا بالقصور أمام الآخرين. هناك من البشر من يحفظ الجميل أيّاً كان، ويشيدون بحسن الصنيع، يلتمسون الأعذار، ويقبلون الاجتهاد، ويأخذون بيد المخطئ والمقصّر إلى جادة الصواب، ومثل هؤلاء بلا شك مكمّلون لمسيرة غيرهم بأدب واحترام، ومثل هؤلاء هم من يصنعون الحياة، ويوجهون المجتمعات البشرية التوجيه الصحيح، فيعيش المجتمع بجميع أطيافه على الوئام، وينشأ على المحبة والتسامح والإخاء، ولا يكون - والحالة هذه - للتناحر والخصام والتنافر مكان بينهم. إذن لنضع هذا المثل، أو الحكمة إن صحّت تسميتها بيننا، ونحن نزن أقوال وأفعال البشر أيّا كانت منزلتهم (كلام الأقران عن بعض يطوى ولا يروى).
dr_alawees@hotmail.com