يتكرر الحديث عن الكيانات والأماكن والأفعال والرجال عندما تكون هناك ريادة تستحق الإشادة، أو توجه يجبرك على الوقوف عنده وسبر أغواره، أو تفرد يثير في نفسك التساؤلات وتجدك مضطراً للبحث عن الإجابة ومن ثم الحديث عن هذا التفرد بكل تفاصليه وبجميع أبعاده، ومن باب الريادة ولأجل الإشادة يأتي الحديث في مقال اليوم عن جمعية متخصصة بمرضى السرطان من الأطفال، تلك الجمعية التي تأسست في 1-12-1423هـ وشرُفت وما زالت تشرُف برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز لمجلس إدارتها، واختارت لنفسها اسم «سند».. لقد وقفت متأملاً في هذا الاسم، وحاولت أن أسبر أغواره وأعرف الرؤية والرسالة من خلال الاطلاع على موقع الجمعية في الإنترنت فوجدت التنوع والشمول في الخدمات التي تقدم لهذه الفئة الغالية على قلوب الجميع والتي وقع عليها البلاء في نعومة أظفارها وهي أشد ما تكون عجزاً وقلة حيلة، ليس هذا فحسب، بل الوقوف مع أهل المريض وذويه في مصيبتهم التي حلّت بهم، إذ ربما وقف الكثير من الآباء عاجزين عن رعاية أبنائهم الرعاية النفسية والاجتماعية والاقتصادية وهم في حالتهم المرضية الصعبة ولم يجد هذا المسكين قليل ذات اليد من يدعمه ويقف بجانبه في محنته، إما لعدم استطاعة أو لانشغال وربما عدم اكتراث، وبالفعل استطاعت جمعية سند خلال عمرها القصير الذي لا يتجاوز الثماني سنوات أن تقدم الكثير في هذا الباب.
ربّما ينظر البعض -ممن رزقهم الله الصحة وأعطاهم المال وكانوا من سكان العاصمة الرياض- إلى مثل هذه الأعمال والخدمات المساندة التي تقدم من هذه الجمعية أنها ليست ذات بال، ولا تستحق قيام جمعية متخصصة.. وربما قال آخرون إن القطاعات الحكومية قد تتولى القيام بمثل هذه الأعمال. وهؤلاء وأولئك قد يكونون بعيدين عن الواقع ولا يعرفون حجم المعاناة التي يعانيها الكثير من المراجعين الذين ينتقلون من مناطق المملكة المختلفة إلى الرياض لعلاج فلذات أكبادهم خاصة في ظل صعوبة الحصول على مقاعد في الطيران حسب المواعيد المحددة لهم، وتوسع العاصمة وصعوبة التنقل الدائم من السكن إلى المستشفى وكذا العكس، فإلى هؤلاء أقول وبإيجاز «الجهل بالشيء ليس دليلاً على عدم وجوده، ولا يعرف حجم المعاناة إلا من وضع نفسه منزلة المحتاج وكان قريباً من الناس وتفاصيل أوجاعهم المحزنة.. أما أولئك الذين ينظرون إلى الآخرين من علو فلن يحسوا ولو بشيء يسير من الألم والوجع وتفاصيل الحياة اليومية لهؤلاء المعوزين ولأولئك المحتاجين.
وكما تستحق هذه الجمعية ذات البعد الإنساني الرائع الإشادة والثناء على جهودها المتميزة وأعمالها الشاملة أرى لزاماً عليّ أن أشيد بالداعمين لهذا الكيان الخيري المبارك فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.. ولعل القارئ الكريم قرأ مبادرة الدكتور ناصر بن إبراهيم الرشيد وتبرعه بثلاثة ملايين ريال سعودي لجمعية سند الخيرية خلال حفل جائزة الأميرة عادلة بنت عبدالله العلمية والإنسانية في مجال سرطان الأطفال للفائزين بها في دورتها الأولى للعام 2009-2010م والتي أنشئت لدعم وتشجيع الإنتاج العلمي المتعلق بأبحاث سرطان الأطفال والبرامج الطبية والإنسانية لأطفالنا من مرضى السرطان، ولحث المجتمع على إنتاج أعمال متميزة ومساهمات تخدم هذه الفئة الغالية على قلوبنا جميعاً، وتكريماً ومكافأة لرواد التحدي وأصحاب الإرادة القوية وأسرهم في مواجهة هذا المرض والشد من أزرهم ودعمهم.
كما أبارك للدكتور الرشيد حصوله على جائزة الريادة الفردية في هذا المضمار من ميادين التنافس والتسابق بين أهل العطاء الموسرين وهذا ليس بغريب على رجل اختار كما قال هو عن نفسه أن يقرض الله قرضاً حسناً ليوم حاجته وضعفه ومسكنته وذله بين يدي الله.
إن فلسفة الإنفاق والدعم عند الدكتور الرشيد تجبرك على قراءتها والوقوف عندها في كثير من منعطفاتها وتفاصيلها فهي -في نظري- لها أبعاد ومضامين عدة منها ما هو ديني وآخر وطني وثالث ذاتي ورابع إنساني وخامس، وسادس... ليس هذا فحسب، إذ يلحظ القارئ في سيرة هذا الرجل الخير التنوع والشمول لكثير من مناحي البذل والعطاء ومن بينها المجال الطبي وخاصة السرطان وعلى وجه الخصوص عند الأطفال.
والحديث عند الدكتور الرشيد وأعماله الخيرية ودعمه لكل ما من شأنه المشاركة في دفع مسيرية العمل التطوعي في المملكة العربية السعودية وخارجها يطول ولكنه لا يُمل.. ولأنني أعرف أن الإطراء لا يروق ولا يحبذه معالي الدكتور فإنني اعتذر للقارئ الكريم في التوقف هنا، أما أبو فهد فلك من القلب تحية تقدير وإجلال ومن بين الحنايا دعاء صادق ترسله القلوب المنكسرة في هزيع الليل بأن يجزيك الله على كل ما تقدم خير الجزاء.
ختاماً أقول مثلما تقول صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز رئيس مجلس إدارة الجمعية: (أهيب بالقادرين من رجال الأعمال والموسرين والمجتمع بشكل عام في المملكة إلى مساندتنا في تحقيق رسالتنا الإنسانية في ظل تزايد أعداد المصابين بأمراض السرطان من الأطفال، وهو ما يستلزم حشد الجهود وتآزرها من قبل جميع القطاعات والحكومية والأهلية).. بارك الله مسعانا وسدد للخير خطانا. وإلى لقاءٍ.. والسلام.