شملت مظلة برنامج الملك عبدالله للابتعاث بخيرها جموعاً عظيمة من أبناء مجتمعنا الفتي.. ولكن هذا الخير الذي عم أبناءنا وبناتنا لم يطل فئة أصحاب المواهب الفردية في مجتمعنا.. رغم أنها الأجدر بالاهتمام والرعاية.. فهم بخلاف غيرهم من المبتعثين.. سوف يبتكرون الأعمال بما حباهم الله من ملكة الإبداع ولن يقوموا كبقية الخريجين بالبحث عن وظائف أو الركون إلى البطالة وانتظار الجهات الحكومية أو الخاصة لتوظيفهم.. فالفنان التشكيلي والموسيقي والمسرحي والمخرج الدرامي ومهووسو برامج التفاعل الإلكتروني ومصممو الواقع الافتراضي ومحترفو تشغيل برامج التصميم الطباعي والإعلامي وبقية الإبداعات الفردية الأخرى.. هؤلاء لن يشغلوا وظائف ولن يعملوا غالباً في جهات قائمة.. بل سيعملون لحساب أنفسهم لأن خدماتهم الفردية مطلوبة في حد ذاتها.. وسيكون لشخصياتهم وموهبتهم الاعتبار الأول في الانتفاع بخدماتهم في مختلف المجالات والقطاعات والمناسبات التي تعج بها بلادنا.وإذا نظرنا إلى نموذج من النماذج الناجحة في هذا المضمار فسنجد أن نهوض الهند حالياً يقوم على دعم المبدعين في مجالات الحاسب.. لقد حولوا الكثافة السكانية من معضلة اجتماعية اقتصادية إلى عامل إيجابي.. فجعلوا الرؤوس تعمل بكل طاقتها واستفادوا من تقنيات الاتصالات الحديثة فصاروا يعملون عن بعد ويقدمون خدماتهم للعالم وهم في بيوتهم.. إننا لن يكون لدينا مبدعون في أي مجال دون الدعم المدروس لمجالات الإبداع الفردي.. أو على الأقل مساواة أصحاب تلك المهارات الفردية مع بقية المهارات التي يتم الابتعاث لصقلها.كما أن الأعداد المطلوب ابتعاثها من هؤلاء الموهوبين محدودة جداً ولن ترهق كاهل برنامج الابتعاث.. فلو ابتعث عدد من الموهوبين في مجالات الفن والإبداع الفردي لأحدثوا تأثيراً تنموياً كبيراً على أرض الواقع خلال سنين معدودة.. فكيف يكون التأثير لو تم ابتعاث نفس العدد كل عام من الأعوام الخمسة القادمة التي أعلن عنها مؤخراً في برنامج الملك عبدالله للابتعاث.. لا شك أن تأثيرهم لن يقل عن تأثير تعلم الأغلبية من المبتعثين في مختلف فروع الدراسة دون نبوغ أو موهبة.أخيراً نقول إن الإبداع والموهبة لا يرتبطان بسن معينة.. لذا أرى تجاوز الشرط النظامي الذي يقضي بألا يكون قد مر على إنهاء المرحلة الثانوية أكثر من سنة حتى يحق له الابتعاث.. فالمبدع في هذه المجالات هو من وجد نفسه في الميدان المناسب للموهبة التي ولد بها ولو بعد سنين من حصوله على الثانوية العامة أو حتى لو لم يحصل عليها.. فالمطلوب هو تطوير موهبته وعشقه وهوسه أكاديمياً في مجاله الذي وجهته إليه موهبته الشخصية.. إن مجتمعنا مليء بالمواهب التي يمكن بالصقل والتوجيه أن تثري مجتمع المعرفة الذي نصبو لتحقيقه.