Al Jazirah NewsPaper Wednesday  16/06/2010 G Issue 13775
الاربعاء 04 رجب 1431   العدد  13775
 
البراك وجلبي.. بين أحكام الفتوى وأحضان القبلة!
د. سعد بن عبد القادر القويعي

 

لست مبالغا إن قلت: إن انتهاكات متكررة لعلماء كبار، أطلقت في - الآونة الأخيرة - عبر وسائل الإعلام، باسم حرية الكلمة، حتى وصل الهجوم لمن يختلف معهم في الرأي، إلى اتهامهم بالتكفير، والسذاجة بالتفكير.

إضافة إلى تصيد زلاتهم، ونشر هفواتهم بسوء نية. مع أن العالم عند الله أسمى منزلة، وأثقل تبعة، وأوثق عهدا؛ لأنهم الأعلام الموقعون عن الله. يؤكد ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخبر الصحيح: « إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر «. فهم لم ينالوا تلك المنزلة الرفيعة بمنصب إداري، أو مركز اجتماعي، أو رتبة وظيفية، بل بما وهبهم الله من علم وفضل وقبول.

إن أقلاما نالت من علماء كبار، أوضحت مخابئ دسائسهم، حين كانت مؤطرة بحرية التعبير - تارة -، وبسجال الفكر - تارة أخرى -، فترقب أخطاءهم، وتفشي زلاتهم وتضخمها، وتستر حسناتهم وتخفيها؛ من أجل أن يستجلبوا عداوة العالم، وعداوة المتبعين له. - وعندئذ - فإن الناس إذا فقدوا ثقتهم في العالم، وزهدوا فيه، استخفوا به، وسقطت كلمته، ولم يقبلوا منه كلاما، ولا رأيا.

صدقا، فرحت كثيرا وأنا أقرأ تصريحا - للدكتور - خالص جلبي - قبل أيام -، وهو يعقب على فتوى - الشيخ - عبد الرحمن البراك في حقه، حين وصف آراءه بمناقضتها للعقل والشرع، إلى آخر ما ورد في الفتوى. ومع هذا، فقد كان - الدكتور - خالص حريصا على أن يظهر مشاعر الاحترام والتقدير للشيخ، ووصل إعجابي له حين قال: « لو رأيت الشيخ البراك لقبلته على رأسه، لعمق شعوري أن ما قاله هو من باب الحرص على الإسلام، فهو لنيته يزكى، ولرأيه يخالف. وهذا ليس تملقا للشيخ، بل حرصا عليه من الزلل». فتذكرت - حينئذ - منهجا سلفيا، قرأناه في ما مضى في بطون الكتب، يبرهن على مكانة العلماء الرفيعة في قلوب الخلق، واحترام العلماء بعضهم لبعض، وتقديرهم، والثناء عليهم، وإنزالهم منزلتهم، ونصيحتهم إذا أخطأوا بالطرق الشرعية، وحملهم على حسن النية والاجتهاد.

إن من مصلحة الأمة حفظ قدر علمائها، ومعرفة مكانتهم. ولذا فإن رد - الدكتور - جلبي، يؤكد الحقيقة كاملة غير منقوصة، دون أن يقدح في مكانة الشيخ، أو النيل منه، وهذا ما يمليه الواجب الإنساني والأخلاقي والأدبي من احترام العلماء وتقديرهم. كما يؤكد أن أمتنا لا تزال بخير، ما دمنا نسلك هذا المنهج الرشيد عند الاختلاف مع العلماء، والملتزم بضبط النفس، والتحلي بالحكمة والصبر والهدوء في موقف كهذا.

إن الخلاف السائغ في الجملة، لا يوجب هجرا، ولا عداء، ولا تبديعا، ولا تضليلا بافتعال أسباب الخلاف. بل غاية ما ينتج عنه التخطئة. ثم إن الاختلاف لا يدل على القطيعة، وتصدير الأحكام، وإنما يدل على مدى حاجتنا إلى الحوار بأدب؛ للتفاهم والتواصل والتكامل، وليكون مصدرا من مصادر الإثراء الفكري، ووسيلة للوصول إلى الرأي الصائب



drsasq@gmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد