لا يكاد يمضي يوم، حتى «تقتحم» بريدي أعداد من الرسائل المجهولة المصدر، والتي تدعو إلى الجهاد، وتحرير الأقصى، ومحاربة الآخر، وتدعو على العلمانيين والليبراليين «والعصرانيين»، من دعاة الاختلاط، وإعطاء المرأة حقوقها، ناهيك عن الردود على مقالات بعض الكتاب ممن يختلفون معهم في الرأي والتي تنتهي عادة بالدعاء عليهم ب»السحق والمحق»، وسوء المنقلب في المال والأهل! ويبدو لي، أن أولئك الحركيين ودعاة الغلو والتشدد الذين يقفون خلف تلك الرسائل والتي تخلو من أدب الإسلام وسماحته، قد وجدوا في «الإنترنت» ساحة مفتوحة من ساحات (الجهاد)، وملاذاً آمناً لنفث سمومهم، وأحقادهم، وعقدهم التي يرسلونها دون رقيب أو حسيب (والله حسيبهم)! والملفت أن «مطرقة» هؤلاء قد طالت العلماء الشرعيين الذين ينشدون الاعتدال، والوسطية، والتخفيف على الناس وفق الأدلة الساطعة التي يقدمونها في فتاواهم، وأبحاثهم، فأبحروا في الشتم الشخصي في أعراض أولئك العلماء، والنيل من مكانتهم وكفاءتهم، وشهاداتهم التي حصلوا عليها، دون التطرق إلى الأدلة والبراهين التي ساقوها كما يفترض، وكأنما الأصل عند هؤلاء هو، التحريم والتشدد، وأي دعوة معتدلة يسوقها عالم متمكن في الشريعة هي في رأيهم محض افتراء، «وتتبع الرخص»! أذكر حواراً دار بيني وبين أحد الأصدقاء المتشددين، وكان يستشهد دائماً على صحة ما يورده من أحاديث ب(الألباني)، إمعاناً في الصحة، وحين تطرقنا إلى مسألة كشف وجه المرأة، والذي يراه محرماً بإجماع العلماء الثقاة، قلت له: ولكن شيخك الألباني أباح كشف الوجه، وله كتاب في ذلك، تلعثم قليلا ثم قال: كلا يؤخذ منه ويرد عليه! المهم هنا أن نشير إلى أن «الإنترنت» بفضائه غير المحدود، أصبح مرتعاً خصباً لمن أراد أن يسوق فكراً مريضاً، أو فتاوى مكفرة، أو إشاعة مغرضة، كوصية الشيخ أحمد، حامل مفاتيح حرم الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والتي وصلتني قبل أيام وفيها يقول: إنه رأى في منامه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال له: إنه قد مات في هذا الأسبوع 40 ألف على غير إيمانهم، وأن النساء لا يطعن أزواجهن، ويظهرن بزينتهن، ويخرجن من بيوتهن من غير علم أزواجهن، وأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يوم القيامة قريب... إلى آخر الرسالة التي يتكرر بعثها كل عام، محذراً من يخفيها أو لا يقوم بإرسالها بالموت والمرض، وأن مآله جهنم وبئس المصير!! هناك فئة «مريضة» من العوام، وأرباع الفقهاء، وعتاة المتشددين، والحركيين، تعتقد أن «الإنترنت» وسيلة جهادية فاعلة تمكنهم من الوصول إلى أهدافهم، وتسوغ لهم النيل من العلماء المعتدلين، والمثقفين الذين ينشدون الارتقاء بوطنهم وأمتهم، لذا فهم لا يتورعون عن كيل التهم، وتدنيس الأعراض، ومحاكمة النوايا، والانتقاص من مخالفيهم، بعبارات بذيئة، تخلو من أدب الإسلام الحق، ومن عفة لسان المؤمن الذي يرجو ثواب ربه، ويخاف عقابه، ترى.. أين هؤلاء من ذلك؟ إلى الله المشتكى.
alassery@hotmail.com