Al Jazirah NewsPaper Wednesday  16/06/2010 G Issue 13775
الاربعاء 04 رجب 1431   العدد  13775
 
لا لقرطبة في نيويورك.. ألا هل بلغت اللهم فاشهد!!
فهد العجلان

 

لا لقرطبة في نيويورك!،، لافتة مجازية حملتها مجموعات ومنظمات تتعدد اتجاهاتها في الولايات المتحدة الأمريكية لتنظيم مظاهرات مناوئة لقرطبة في نيويورك قبل أيام،

لم تكن اللافتات ضد قرطبة التاريخية بل «بيت قرطبة» المركز الإسلامي الجديد الذي يزمع إنشاءه إمامان مسلمان على مقربة مربعين من مركز التجارة العالمي أو ما يسمى حاليا بموقع الصفر «Zero Ground» بتكلفة إجمالية قد تصل إلى 100 مليون دولار. منظمات مثل «أوقفوا أسلمة أمريكا» و»مراقبة الجهاد» وحركة «حفل الشاي» جلبت بخيلها ورجلها لتصور إنشاء هذا المركز وكأنه إعلان احتلال إسلامي للولايات المتحدة مستغلين رمزية قرطبة في تاريخ الصراع في الماضي ورمزية نيويورك في الصراع الحضاري الحالي كما أرادها الإرهابيون.

أيا ما تكن القيمة المعنوية لمركز إسلامي ضخم في مدينة حافلة بالحياة كنيويورك فإن الأسئلة تتقاطر من راحة الأحداث في الجانبين الإسلامي وغير الإسلامي، أسئلة من نوع: هل يمكن الجزم بأن الاستماتة في إنشاء مركز إسلامي ضخم في قلب مدينة مضطربة لم تجف جراحها بعد وما زالت منطقة الصفر أو مسرح الإرهاب فيها كثيف الحضور خيار استراتيجي مدروس؟ بعض المتابعين لهذه الخطوة برروا الموقف باعتبار أن الإمامين أو الداعيتين اللذين يقفا خلف المشروع، فيصل عبدالرؤوف وذيدي خان، كانا يعدان للأمر قبل جريمة الحادي عشر من سبتمبر، غير أن مبررا كهذا غير مقنع من وجهة النظر التحليلية باعتبار أن حدثا بحجم الحادي عشر من سبتمبر وتداعياته ساهم في تغيير استراتيجيات دولية كبرى فضلا عن خطة مشروع منفرد تقوده العاطفة، وقد بدأت الحمم المتناثرة تتساقط على بيت قرطبة قبل أن تقام أعمدته حيث بدأت من أقارب الضحايا والمتعاطفين معهم منذ إعلان الفكرة. أحد الأمريكيين الذين استطلعت قناة الفوكس نيوز المحافظة رأيهم في بناء المسجد تساءل: هل ستسمح طالبان ببناء كنيسة في أفغانستان «باعتبارها مقر العمليات في الهجوم على نيويورك؟»، بينما تساءل ضيف داخل الاستديو في إحدى القنوات الأمريكية عن ضمانة ألا يكون المركز الجديد منصة لاستقطاب الإرهابيين من شاكلة مجرمي الحادي عشر من سبتمبر، لكن زخم تلك المعارضة المستميتة لمنع بناء بيت قرطبة لم تلغ الكثير من التسامح تجاهه والذي يتزعمه العمدة الحالي لنيويورك مايكل بلومبيرج الذي يملك 88% من مجموعة الإعلام المالي الشهيرة بلومبيرج كما أن هذا الدعم يمتد أيضا إلى القسيسة كانون آن مالوني من كنيسة ترينيتي في مانهاتن السفلى، ومسؤولين منتخبين مثل رئيس حي مانهاتن سكوت سترينغر وعضو الكونغرس جيري نادلر ومؤسسات محلية مثل مؤسسة «مجتمع نيويورك»، وهي أكبر ممول من القطاع الخاص للمنظمات غير الربحية في مدينة نيويورك.

وفيما يزداد الجدل حول المركز والذي لم ينته بعد رغم التصويت الذي ناله إلا أنه ما يزال المؤسسان له عبدالرؤوف ورفيقه ديزي خان يصرحان أن بيت قرطبة هدفه التقريب بين الأمريكيين، مسلمين وغير مسلمين باعتبار أن هذه المشاريع والأفكار من النوع الذي يجيب على أسئلة الأمريكيين التي أفرزتها كارثة سبتمبر «أين هم المسلمون المعتدلون؟» محتجين بأن إجابة هذا السؤال تدحض كل مخالف للفكرة من داخل الصف الإسلامي!!

لا أريد أن أتحدث حول صواب الاستماتة في بناء المركز ولن أتبنى الدعوة لوقف بنائه، غير أني أتساءل حول جدوى دخول المعارك التي تترك آثارا يستغلها المغرضون للتأكيد على عمق تشوهات الجسد العربي والإسلامي في الوقت الذي مانزال نضمد فيه الجراح ونعالج آثارها، هل كان سينقص من هذا المركز ومن دوره شيء لو ابتعد بضع كيلو مترات عن حساسية المكان الذي ارتبطت به حادثة سبتمبر الإرهابية؟ هل كان سينقص من دور وحضور المسلمين في نيويورك شيء لو أعلنوا هذا المركز كموقع لمؤسسة ثقافية أو مركز يتبنى الحوار بين أتباع الأديان دون أن يكون تحت مظلة أي ديانة والاكتفاء بكونه مبادرة إسلامية؟ هل كان سيضر بالدعوة أم ينفعها لو كان هذا المشروع الضخم هدية للمسنين في المدينة أو إحدى الفئات المحتاجة فيها كمبادرة إسلامية؟ ملف بيت قرطبة يفتح أسئلة أعمق من إنشائه أو عدم إنشائه.. أسئلة بيت قرطبة تفتح الباب على مصراعيه.

حول الرؤية الحضارية التي يراها المسلمون لدورهم في هذه المرحلة التاريخية من العلاقة المتوترة بينهم وبين شعوب العالم، أسئلة أعتقد أن الإجابة أو تصحيح مسارها يستدعي تضافر جهود جبارة من قادة فكر وإرادة وعلماء شريعة يتجاوزون الجزئي إلى الكلي والتكتيكي إلى الإستراتيجي والمصلحة الضيقة الخاصة إلى المصلحة العامة الشاملة... ألا هل بلغت اللهم فاشهد!!



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد