Al Jazirah NewsPaper Monday  14/06/2010 G Issue 13773
الأثنين 02 رجب 1431   العدد  13773
 
أحببته حياً.. وحزنت عليه ميتاً
بقلم: خالد المالك

 

لم أكتب عن الشيخ أحمد صلاح جمجوم شيئاً في حياته، مع ما كان قد ربطني به من صلة في سنوات غير قليلة في حياته، ومع أنه كان يستحق حقاً أن يكتب عنه، لا أن يأتي الكلام متأخراً وتأبيناً بعد وفاته، وهو الذي أعطى الشيء الكثير لوطنه وللناس.

لقد كان مثله من يستحق أن يكتب عنه كثيراً وطويلاً حين كان في عنفوان نشاطه وحيويته ومساهماته الإنسانية والاجتماعية، كنوع من الوفاء والتقدير لرجل هكذا عندما كان في موقع المسؤولية، وعندما كان مبادراً في المساهمات والمواقف الإنسانية والاجتماعية.

***

غير أننا لا نتذكر - مع شديد الأسف - كل هذا إلا عندما يصدمنا الموت بزياراته لأخيار الرجال، فنستعيد عندئذٍ شريط الذكريات الجميلة التي صاحبت ورافقت حياة هؤلاء، فإذا بنا نستل أقلامنا ونكتب بعواطفنا ودموعنا وآهاتنا، متأسفين ومتألمين على رحيلهم.

***

أكتب هذا اعترافاً بالتقصير نحو رجل لم أوفه حقه في حياته، وقد كانت لي بعض معرفة وبعض علم فيما كان يخفيه الفقيد عن الناس من مواقف إنسانية وعاطفية، ومبادرات خالدة في هذا المجال، فضلاً عن أدوار وطنية كان له فيها جهد ملموس في وزارة التجارة عندما كان وزيراً لها، أو في الخطوط السعودية وقد كان رئيساً لمجلس إدارتها، وهكذا في صحيفة المدينة حيث رأس مجلس إدارتها وكان مديرها العام، والشركة الوطنية للتوزيع كأول رئيس لمجلس إدارتها، ومع شركة الأسمنت في جدة ورئاسته لمجلس إدارتها، وغير ذلك الكثير من مواقع المسؤوليات التي تبوأها في حياته؛ مما يبقي الراحل الكبير في ذواكر الأوفياء.

***

لقد أسعدني الحظ، إذ تعرفت على الرجل في مواقف كثيرة، وكلها تستحق أن يكتب عنها وأن يشار إليها، لكني سوف أختار منها موقفين اثنين فقط: أحدهما عملي والآخر إنساني؛ أما العملي فهو حين عملت إلى جانبه ومعه وبالقرب منه؛ بوصفه رئيساً لمجلس إدارة الشركة الوطنية الموحدة للتوزيع وبوصفي مديراً عاماً لها، وهو - رحمه الله - من تولى إبلاغي أولاً بإسناد مهمة تأسيسها إليَّ في لقاء تم ترتيبه من جانبه ليكون في الرياض وليس في جدة؛ حيث إقامته الدائمة هناك بناء على قرار مديري عموم المؤسسات الصحفية ورؤساء التحرير آنذاك، ثم عاضدني وساعدني ووقف إلى جانبي داعماً ومسانداً خلال فترة عملنا معاً؛ حتى بلغت الشركة ما بلغته من نجاح.

***

أما الجانب الإنساني، فقد جاء إليّ من يطلب شفاعتي لدى الفقيد في دين مستحق عليه إثر دون أن يكون قادراً على تسديده، وهو مبلغ كبير ترتب عليه إفلاسه وعدم استطاعته تسديد قيمة السيارات التي اشتراها من شركة الشيخ أحمد صلاح جمجوم وإخوانه بمبلغ كبير، وكنت على يقين بصدق ما يدعيه المدين، ومن أن السيارات التي اشتراها وأجرها على سائقين لنقل البضائع بين المملكة وبعض الدول المجاورة لم تعد في قبضته بعد أن استولى عليها سائقوها من جنسيات عربية وأجنبية خارج المملكة؛ لذا، فقد توجهت إلى جدة، وهناك اجتمعت به وأخي الفقيد الدكتور صالح المالك وعرضنا عليه الأمر، وكان الوقت ظهراً فأجّل الردَّ على ما استمع إليه لأنه قد حان وقت أداء صلاة الظهر، وبعد أداء الصلاة وتناول القهوة والشاي واستماعه إلى مزيد من التفاصيل، أبلغنا بتنازله عن كامل المبلغ، ودون أن يترتب على من توسطّنا له أية مطالبات مالية، بتنازله -رحمه الله- عن القيمة المتبقية بالكامل دون شرط أو قيد.

***

هكذا كان الشيخ أحمد صلاح جمجوم في حياته، عَلَماً من أعلام جدة، عفواً، بل من أعلام المملكة، تقياً ونزيهاً وصاحب مبدأ، وصوتاً يعلو مع الحق والخير، وإذ نودعه الوداع الأخير، إنما نودع رجلاً شهماً وإنساناً طيباً ورجلاً من رجال المسؤوليات الكبيرة في القطاعين العام والخاص، فليرحمه الله، وليلهم أهله وذويه الصبر والسلوان.

وهكذا هي الحياة طريق للمرور لما هو أفضل وأجمل، إن شاء الله، وما عند الله هو خير وأبقى.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد