ربما لن تجد من يتحدث، أو يكتب، أو يجادل في غير موضوع « الخصوصية»، حين تكون فكرة الكلام عن المجتمع السعودي،.. وبالتأكيد ستجدهم منحازين لجانب من اثنين لا ثالث لهما: إما من يطلق بإيمان تام أن لهذا المجتمع خصوصيته دون أن يخوض في تفاصيل الخصوصية، أو أن يسبغ الخصوصية على كل ما يتعلق به، وفي هذا حصر، وإفاضة لا تتناسبان مع مقام الحقيقة في مفهوم الخصوصية، بينما في الجانب الآخر من يتقافز على الخصوصية فينكرها لهذا المجتمع ويجرده منها بغية أن يزجه في متاهات الضرورة لأن يرتدي كل ثوب، ويخرج لكل درب، ويحسر عن رأسه ليتلقى كل ريح، ويفتح فمه ليأكل من كل طبق، وإلا فإنه يذهب لأن يوسمه بالمجتمع المتخلف فيه أهلُه عن ركب البشر المتقدمين، المتعلمين، المنفتحين على حضارة العصر, ومن هنا ينطلق لأن يدعو المجتمع من أجل أن يكون في مراتبهم أن يلغي الكثير, والأهم من حدوده الدينية، وأن يتحدث فلا يتكلم لسانه إلا بالأجنبية، وأن يكتب فلا ما يمنع من الهتك، والفضيحة، ولذا فكل ذي جرأة نهاز، وكل ذي قدرة على ذلك فالح،.. ولا خصوصية البتة تجعل في رأيه لهذا المجتمع سمات أو صفات، لذا فهؤلاء ينظرون لكل الذين يخالفونهم الرأي، ويؤكدون بشكل أو بآخر ما لهذا المجتمع من خصوصية، إلى أنهم يقوضون أحلامهم وأفعالهم, من أجل التقدمية، والتطوير والتحديث والركض حيث يركض الراكضون..
وفي واقع الأمر، فإن الخصوصية سمة في طبيعة خلق الله في كونه، فلا تسير المخلوقات في غير نظامها، وبما هُيئت له وبه من أدوار، وتلك أولى دلائل الخصوصية، والإنسان ذاته له سماته الذاتية، وصفاته الخاصة التي تهيئه لأن يتفرد بخصوصية فيما يمثله فوق الأرض له أو مع غيره، والمجتمعات البشرية من ثم تنشأ لها خصوصياتها ضمن أنظمتها المنبثقة من ضوابط، سواء كانت دينية أو تربوية، أو فكرية وثقافية، أو قيمية، ومنها تتشكل الأخلاق، والأعراف, والعادات، والتقاليد والتي ترتبط بها غالبا القرارات، والأنظمة، والمنهاج العام، ولأن جُلَّها غير منزَّل من السماء، فإنها قابلة للتطوير, والتحديث، والإضافة والتغيير، أما ما جاء موافقا منها لتشريع السماء، منفذا له، فلا ما يبيح المساس به على الإطلاق.., ويكون المجتمع بجانبيه : أولئك المضيقون مفهوم الخصوصية أو أولئك المشرِعون لها كل ثقب وباب وسقف.. مقيدين به..
فالمجتمع الواعي يتجه بوعي نحو حد أبلج، لا يجد نفسه ذات يوم قد تردى في متاه انحيازاته، على حين غفلة..
«يتبع»