يسَّر لي القدَر الإلهي السعيد مؤخراً أن أشارك في مناقشة رسالة ماجستير بحثتْ في شعر أحد أدبائنا الكبار، وهو الشاعر عبد الله بن إدريس، الذي يُعد بحق من جيل الرواد في مجالات الأدب والفكر والصحافة بل ورقي الخلق، وكان عنوان البحث: (عبد الله بن إدريس: سيرته وشعره)، للباحثة فاطمة التميمي.
وقد تشرفت بمشاركتي في المناقشة مع كل من الأستاذ الدكتور مسعد العطوي من جامعة تبوك عضو مجلس الشورى، والأستاذ الدكتور عبد الرحمن الهليل من جامعة الإمام، المشرف على البحث، ولم أكن في العادة شديدة الحرص على المشاركة في أية رسالة ماجستير أو دكتوراه ما لم يلفت انتباهي موضوع البحث.
من هذا المنطلق كانت موافقتي على الاشتراك في مناقشة هذه الرسالة المهمة، لأنها حول قامة من قاماتنا الأدبية، وأحد أعمدة ثقافتنا الوطنية، التي لم تألُ جهداً في دعم حياتنا الفكرية قدر طاقتها البشرية ومفردات الدعم المعنوي والمادي المتوافر بين يديها، لا سيما وقد عرفت بلادنا المعطاء قدر هذا الأديب، فكرَّمته في مهرجان الجنادرية الأخير التكريم الذي يستحقه.
لذا فقد كانت مفاجأة المناسبة حضور الأديب ابن إدريس المناقشة هو وبعض أنجاله القديرين، وهذه إحدى إيجابياته العديدة فقد تجشم عناء الحضور رغم ظروفه، رغبة منه في الإنصات لما يُقال في نتاجه الأدبي من نقد بناء لساحة الفكر، خصوصاً أن الأدب - شعراً ونثراً - هو من أكثر المجالات تعدداً لوجهات النظر، فقد قيل وما زال يُقال بأن الأدب لم تقل فيه الكلمة الأخيرة بعد.
وقد كان البحث ذا مستوى طيب نالت عليه الباحثة تقدير الامتياز، وتكمن أهمية البحث في قيمة موضوعه، وفي اجتهاد الباحثة، وحرص المشرف، لكني لاحظت أن العديد من الباحثات إذا تناولن في أبحاثهن شخصية شعرية أو أدبية، فإنهن يتناولنها بهيكلية واحدة متشابهة، حتى وإن اختلفت العصور الأدبية، وكأنما هناك قواعد نقدية صارمة لا بد أن يُخضع الشاعر لها، وإن اختلفت الأزمنة والأمكنة، وتضاربت معايير النقد ومناهجه!.
لهذا فإني ألاحظ أن بعض الباحثات تكون تطبيقاتهن النقدية أقرب للسطحية أثناء تناولهن شعر الشاعر موضوع البحث، وذلك لأنهن يسرْن في طريق تقليد بعضهن البعض دون رويّة، كأن يوردن - مثلاً - نماذج ضئيلة على بعض المفردات البلاغية لدى الشاعر، مثل استخراج الطباق والجناس لديه، رغم أن هذين الفنين البلاغيين من الفنون العادية المتكررة حتى في الكلام المعتاد؟!.
وكذلك لفت نظري أن طرائق النقد لدى العديد من الباحثات في مثل هذه الأبحاث يكاد يكون عاطفياً أكثر منه أكاديمياً، وهذا ما لا يخدم البحث ولا الباحث اللذين إنما يتوهجان بالإبداع والتميز، مثلهما مثل تلك العبارات النقدية الرائدة التي خلّدها لنا التاريخ الأدبي العربي عبر عصوره المختلفة المديدة.
بقيت ملحوظة نقدية عامة تهم الجامعات في المجالات البحثية، أقترح تطبيقها في جامعاتنا قدر الإمكان، وهو أهمية حضور مناقشات رسائل الماجستير والدكتوراه لجميع أصحاب التخصص الدقيق على أقل الأحوال، واعتبار أهمية هذا الحضور مثل أهمية قاعة البحث، بل أعظم، لأن فيه جانباً كبيراً من الفائدة المتجددة لجميع الباحثين والباحثات كلّ في مجاله، عن طريق الاحتكاك العلمي المباشر المستمر.
g.al.alshaikh12@gmail.com