رجال الجمارك عادة ما يصرحون بأمر بعض الممارسات الغريبة وطرق التهريب الخطيرة والغزو الاستهلاكي المريب، ويعرضون أمام الجميع الكثير من صور التحايل والتمويه وسلك السبل الملتوية، فنزعم إزاء هذا الأمر أن أسرة»الجمارك» في حالة جهاد ودأب من أجل كشف المزيد من هذه العمليات المؤذية التي نراها تزداد وتتنوع، لكنهم رغم ذلك يبذلون ما بوسعهم للتصدي لمثل هذه العمليات أيا كان شكلها وحجمها لما فيه من ضرر وأذى قد يلحق بالمجتمع.إلا أن التصريح الأخير للجمارك يلفت الانتباه لأمر جديد وغير مسبوق يتمثل في ملاحظتهم تكرار تهريب»النفط» إلى الأسواق المحلية، فهذه البدعة الجديدة تحتاج حقيقة إلى تأمل، وقراءة فاحصة، فمن بوابة المثل العربي الشهير المتمثل في مقولة:»جالب التمر إلى هجر» أو»حامل الماء إلى حي السقائين» فالذي يدركه الناس جميعاً أننا أكبر دولة منتجة ومصدرة للنفط في العالم، فكيف يهرب النفط إلينا من خلال الحدود؟! وما تم ضبطه مؤخراً من خلال المنافذ، حيث ذكرت مصادر الجمارك لوسائل الإعلام قبل نحو ثلاثة أسابيع أن أكثر من 2000شاحنة محملة بالنفط تم ضبطها على حدودنا.
فالطريف في الأمر أن ثقافة التهريب في مجتمعنا لم تنته فصولها بعد، بل لا تزال متوارثة منذ القدم، لا سيما في أعراف سابقة، حينما كانت ترى في الحنشل والقومانية والهجادة شعاراً للبحث عن القوت،
وإذ ما أردنا أن نواصل البحث في امتدادات التاريخ الغابر حتماً سنصل في مطاف أعرافنا إلى الصعاليك والشطار وسبل نهبهم الذي قد يضفى عليه نوع من المشروعية حينما يزعمون أنهم يسرقون من الأغنياء ويهبونه للفقراء!!وهذا مجرد زعم وسرد تاريخي لحالة»التحنشل» واللصوصية لا أكثر ولا أقل. وربما نربط مصطلح»التحنشل» الجديد ببدعة تهريب النفط بوصفها حالة جديدة تثير التساؤل، وقد نعود من خلالها إلى حالات تهريب ما قبل النفط على وزن تاريخ أو حياة ما قبل النفط، أي تهريب السلع والقوت البسيط إلى السوق المحلي من قبيل بعض السلع الممنوعة لصعوبة الحصول عليها كمنتج محلي أو كونها بشبهة محرمة ومرفوضة من المجتمع على نحو صولات وجولات مهربي السجائر التي بتنا نترحم عليها وعلى من يقوم فيها حينما رأينا شرور المخدرات والأسلحة والمحرمات الأخرى التي تفد إلينا من خلال التهريب الشيطاني الحاذق. تهريب النفط إلينا عبر الحدود قد لا يكون من قبيل التهور والتلصص إنما من سوانح الإدعاء بأنه أمر عادي، إذ يٌزْعَم أنه توفير للمنتج في الأسواق بأسعار أقل بصرف النظر عن كونه مخالفة قانونية، فالمعاضد التاريخي للتهريب يزعم أنه حذاقة ومهارة وقد يكون من متمات الرجولة. فلا يمكن لهذا المهرب للنفط أن يكون بقدرات مهرب»الصقعي» أو»السجائر» أو»الفشق» آنذاك إنما هو غول يفرط في الشره والكسب بأبشع الصور.
hrbda2000@hotmail.com