لا يتناسب إطلاق الخصوصية على مجتمع أو شعب في مرحلة النمو والتطوير، والسبب أن الناس متشابهون في خصائصهم الإنسانية، والخصوصية في أغلب الأحيان مفهوم يشير إلى نطاق الحياة الخاصة فقط، فالناس مختلفون في حياتهم الخاصة، لذلك ينحصر مفهوم الخصوصية في حق للفرد في الحفاظ على معلوماته الشخصية، وحياته الخاصة، وفي العقود الأخيرة تطور على نطاق أوسع، ليضمن الحق في السيطرة على البيانات الشخصية..
قد يتقاطع مفهوم الخصوصية الضيقة مع تلك الإطروحات التي تدخل ضمن دائرة العنصرية مثل مصطلح شعب الله المختار، والذي قاد إلى تدمير حقوق الشعب العربي في فلسطين، وانتهاك أبسط حقوقه بسبب النظرة العنصرية الفوقية، كذلك كان الحال في جنوب أفريقيا عندما اعتقد البيض أنهم شعب مختلف وذو خصائص مختلفة عن السود، ما جعلهم يهضمون حقوق الأفارقة على أرضهم..كذلك كانت النازية مثال صارخ على ذلك، فقد حاولت النازية أن تجعل للخصوصية شكلاً وملامح وسلوكاً لا تنطبق إلا على الشعب الآري، وقد رسخ ذلك المفهوم فكراً عنصرياً كانت نتائجه كارثية على مستوى التاريخ، فالتطهير العنصري يعد أكبر جريمة إنسانية على مدار التاريخ الإنساني..كانت ولا زالت أحد مضامين رسالة الإسلام الرد على مقولة الشعب المختار، فقد خاطب القرآن الكريم البشر ب يا أيها الناس، وأكدت آياته على مبدأ التعارف والتجانس والمساواة بين الشعوب والأعراق والقبائل، وأسس لمبدأ الحساب وأن لكل نفس بما كسبت رهينة، وقد كانت رسالته نقلة تاريخية ضد الانغلاق العرقي، فقد ألغى الفروقات العنصرية، وربط الإيمان بالعمل الصالح، وتخالف بعض التصرفات العدائية ضد الآخر مقاصد الدين الإسلامي، والذي كرم بني آدم على غيرهم من المخلوقات..قد يردد البعض مصطلح الخصوصية من رؤية إيجابية لكن خفي عليه أن ذلك فيه دعوة مبطنة للرؤية الضيقة للآخرين، وهو ما يجعلها نظرة غير صالحة ولا تتفق مع الإرث الإسلامي للعالم، كذلك لا تتوافق مع المنجز الوطني كأهم وحدة عربية في العصر الحديث، فنحن جزء من هذا العالم الإنساني لا نختلف عنه عرقياً، ومسلمون كبقية الشعوب المسلمة..، ونشترك مع العالم العربي في الثقافة العربية، لكن وجه الشبه مع بقية العالم العربي والإسلامي في العصر الحديث أننا جميعاً في الصفوف الخلفية في إنتاج المعرفة، فالعقل العربي والإسلامي مصاب في هذا العصر بدءاً التقليد ونقل القوالب الجاهزة من الغرب والشرق، وإذا أردنا أن نكون مميزين يجب أن نعمل من أجل المشاركة في الإنتاج المعرفي الحضاري، وأن تكون لنا مساهمة في إضافة منتجات حضارية إلى الإرث الإنساني..كذلك قد تعني الخصوصية الجمود والمفهوم السلبي للمواطنة، التي يجب أن تحرسها القوانين المدنية، وتحمي مصالح المواطن على أرضه، لكي لا تتعارض المفاهيم الأممية والعرقية معها، فشعوب الدول في العالم تتقاطعها الإنتماءات القريبة والبعيدة، لكن تجمعهم المصلحة والحماية الوطنية داخل وخارج حدود الوطن، ولن يحدث ذلك من خلال مقدمات نظرية أو أناشيد وطنية، ولكن من خلال إرساء ثقافة العمل والمهنية، وأن يكون الحلم السعودي تحقيق الإنجاز والثروة من خلال العمل المهني الجاد..
أخيراً يجب إرساء رؤية شاملة لمستقبل الوطن، تكون من أهم أهدافها إنتاج المعرفة والدخول في عصر الصناعة، والذي إن حدث سيجعل لهذا الوطن خصوصية تميزه عن جيرانه، وتأخذه إلى مرحلة جديدة في تاريخه الحديث،...