يمكن القول: إن (ثقافتنا الاجتماعية) تبدو في كل الأعمال والأقوال والتقارير (الإيجابية أو السلبية)، التي تتشكل بصور نمطية في تفاصيل حياتنا اليومية كبعض (السلوكيات التربوية)، أو (القيم الدينية والإنسانية)،
أو (العادات والتقاليد الاجتماعية)، أو (المبادئ الحضارية)، وهي صور متنوعة كإماطة الأذى عن الطريق، واحترام الوقت، والتزام النظام، وحب القراءة الحرة، والانخراط بالعمل التطوعي، والتبسم للآخرين، وممارسة الرياضة اليومية، وطريقة الضيافة، والسهر المفرط، والوجبات السريعة، والعبث بالممتلكات العامة، وتوصيل الطلبات المنزلية.. وغير ذلك من صور ثقافتنا الاجتماعية، التي تختلف في مصادرها، سواءً دينيا أو بيئيا أو عالميا.
هذا النوع من الثقافة هو ما يميز الشعوب عن بعضها حتى لو كانت تنتمي للأمم المتحضرة، أو تعرف بالدول المتقدمة، فكلما كانت صور الثقافة الاجتماعية لهذا الشعب أو ذاك (عديدة وإيجابية) ارتقى درجات في سلم الحضارة الإنسانية، بل قد يكون معياراً للرقي الحضاري بالنسبة للشعوب الأخرى. لهذا تجد الانطباع الأول للسائح أو المسافر أو الزائر لبلد ٍ ما يتشكل من خلال نظرته الأولى عندما تطأ قدماه أرض المطار، ثم رصده المستمر لصور الثقافة الاجتماعية التي تبدو أمامه من تصرفات وسلوكيات أبناء هذا البلد خلال أيام إقامته، وبذلك يستطيع أن يخرج بنتيجة محددة عن المستوى الحضاري للبلد وشعبه. أقول ذلك لكوني أشعر بالأسف والأسى معاً عندما تقع عيني على صورة سلبية لثقافتنا الاجتماعية تصدر من الصغير، ما يعني أنه لم يتلق الآداب والعادات الإيجابية، أو تصدر من الكبير ما يدل على أنه خارج إطار الزمن الحضاري. فذات يوم كنت أسير حول حديقة حيّ الفلاح القريبة إلى منزلي فلفت نظري ثلاثة سلوكيات خاطئة حدثت في وقتٍ واحد، وهي بذلك تعكس ثقافة سلبية عن مجتمعنا، الأولى صبي يقود دراجته الهوائية (السيكل) على المسطحات الخضراء في الحديقة رغم وجود مضمار مرصوف، والثانية قيام بعض الفتية بتحويل إحدى المسطحات المخصصة لجلوس الناس إلى ملعب كرة قدم، والثالثة رمي النفايات من قبل بعض مرتادي الحديقة بشكل يخالف أبسط أبجديات النظافة العامة.
تلك الصور الثلاث جعلتني أستغرق التفكير فيها محاولاً تحديد السبب الرئيس الذي جعل كل هؤلاء يمارسون الثقافة السلبية، هل عجزت كل المناهج التعليمية في (المدرسة)، والأساليب التربوية في (المنزل)، والخطب الدينية في (المسجد)، والبرامج التوعوية في (الإعلام)، هل عجزت فعلاً عن غرس سلوكيات إيجابية لدينا وتكريسها حتى تصبح ثقافة اجتماعية عامة تعزز رصيدنا في التقويم الحضاري.
ما الذي يجعل صبي العشر سنوات يمارس العبث بالممتلكات العامة رغم أنه يردد كل صباح النشيد الوطني؟ ما الذي يجعل الشاب المراهق يعشق الفوضوية ويتفنن في تجاوز النظام؟ ما الذي يجعل الرجل الكبير لا يكترث بالوقت حتى لو أخلف موعداً رغم أنه يعرف أنها من علامات النفاق؟ لماذا يخرج أحدنا من المسجد عابس الوجه وهو يعرف أن التبسم من سمات المسلم؟ لماذا ترمي إحدى السيدات النفايات في الحديقة بينما منزلها يلمع كأنه لوح ألماس؟ أسئلة عديدة في قائمة طويلة وإجاباتها مؤلمة في حقيقتها الواقعية لأن ثقافتنا الاجتماعية للأسف لا تواكب نهضتنا المدنية التي لم تعد إقليمية فحسب إنما عالمية، ما يعني أن لدينا (إشكالية حضارية) حقيقية في ثقافتنا الاجتماعية التي تبدو بصور يومية مشاهدة. والإشكالية هي في تقدم ورقي العمران وقصور وعي الإنسان، فأين الخلل؟ هل هو في مناهجنا التعليمية أم في منازلنا التربوية أم في دروسنا الدينية أم في وسائلنا الإعلامية أم في تركيبتنا الاجتماعية؟ بتقديري أن الخلل الرئيس ليس في كل ذلك بشكل مباشر وإن ارتبطت بها! لأن صور الإنسان السعودي وراء الحدود إيجابية بشكل عام حتى في أقرب الدول إلينا. إذاً أين الخلل تحديداً؟
التصور الأولي أن ذلك يعود إلى ثلاث معضلات في واقعنا الاجتماعي، الأولى (ازدواجية التعامل) التي تجعل بعضهم يعتقد نظرياً بأفكار حضارية وسلوكيات راقية ولكنه يتعامل بخلافها واقعاً، وهي التي تجعل الطفل لا يسير على درب والديه في الفضائل والسلوكيات الإيجابية فعلى سبيل المثال والده يحذره من الكذب بينما لا يتردد في أن يطلب من ابنه أن يكذب في حال السؤال عنه، ما يؤدي إلى غياب (القدوة الواقعية) داخل الأسرة ثم المجتمع. المعضلة الثانية عدم التفريق بين (الولاء الوطني) و(الانتماء الوطني) من حيث واجبات المواطنة خلال تكريس مفهوم الوطنية، لذلك تجد من يُعلن انتماءه الوطني بكل فخر واعتزاز، ولكن لم ُيحقق عملياً (ولاءه الوطني) بالمحافظة على الممتلكات العامة ومقدرات الدولة، فضلاً عن نقل صورة حسنة عن بلده أمام العالم.
أما المعضلة الثالثة التي لا تقل أهمية ًعن سابقتيها، فهي (تفعيل القانون الاجتماعي) أي التعامل بمبدأ العقوبة أو المخالفة القانونية إزاء كل ما يتعلق بالتصرفات الاجتماعية والسلوكيات العامة، خاصةً في المسائل الحضارية كالنظافة العامة، وعدم إيذاء الآخرين وغيرها، حتى أنك تشاهد باستمرار كيف ُترمى النفايات من نوافذ السيارات عند الإشارات المرورية، بل وصل الاستهتار بصورتنا الحضارية قيام البعض ب(التدخين) في صالة مطار الملك خالد الدولي وهو يقف جوار لوحة (ممنوع التدخين) وغير ذلك، ما يكرس للسلبية في ثقافتنا الاجتماعية، ولعل فرصة آتية إن شاء الله يكون المجال فيها أرحب للتفصيل في هذه المعضلات.
Kanaan999@hotmail.com