لا حول ولا قوة إلا بالله، رحم الله الشهداء وغَفرَ الله لهم ومنّ على عباده الجرحى بالشفاء العاجل إن شاء الله.
هل ترى فيما ترى قوة الدافع الإسلامي؟ هل تجاوب دمعك مع دموع الشهداء؟ مع من قُتل لأنه عانق القيمة، وسما كل ما فيه نحوها.
إنها قيمة الموقف، فصارت الدماء تعبيراً عن هذا الموقف العظيم أمام غطرسة هذا العدو الظالم الذي هبطت انتماءته إلى حضيض أهوائه، ومغالطته وفسقه وظلمه، وإذا كان هذا ما نفهمه عن العدو، فما الذي نفهمه عن القوة التي تغذيه، تمده بروح الحياة، هل نشجب ما فعله هذا العدو؟ أم هو استنكار نوجهه إلى العدو والقوة الغالبة التي ترعاه.
الشجب والاستنكار لا يرقى إلى فداحة الحدث، فأسوأ ما يقوم به الإنسان، أو مؤسسة أو دولة الإقدام على القتل بغير حق، والعار كل العار أن تقدم مؤسسة بمثل الدولة على الكذب وتزوير الحقائق، وكما هو معلوم فإن الكذب لا يبرره قول أو فعل، إن ما حدث واضح فيه التخطيط والترصد، ولم يكن بدافع الدفاع عن النفس، تلك النفس التي لم تتعرض إلى اعتداء من أحد، ولعل الكثير من الحقائق، ومزيد من التفاصيل قد تطرّق لها السيد رئيس وزراء تركيا.
إنها تركيا التي يشرف كل شيء أن يوجه لها صادق التحية وعظيم الإعزاز والتقدير.
فلقد جادت بأبنائها من أجل القيمة والمبدأ، من أجل فلسطين، والإنسان منا كثير ما يعود إلى حقائق الطبيعة وإلى أصل الحياة ومشاهدها العارية، وحينها سندرك أن الشمس إن غاب نورها عن منطقة من الأرض فلا بد أن يشرق نورها في وقت لاحق على نفس الأرض، وبحول الله وقوته ستغيب شمس قوة الظلم والطغيان، وتنزهم أمام شمس ستشرق وتنير الدار العتم نورها، فالحق ينبثق بكامل عناصره من ركام الباطل وإن طال زمنه.
إن الحديث الذي أدلى به رئيس الوزراء التركي تماماً، وبكل التمام تحدث قوياً من قوة بلده وقال صواباً من صواب قضيته، ومن طهارة الشهداء، كما تحدث وزير خارجيته فوضع من سمعه في صورة الواقع منذ بدء الحدث حتى عقد المؤتمر الذي تحدث فيه، وبين مزيد من تفاصيل الحدث ورد الفعل من كل الجهات، وبالذات مواقف الدول الكبرى، أو ذات القوة الغالبة، ومن المؤسف أنها عبّرت بالحد الأدنى من كل التزام أو معنى من معاني القيمة، وعلى هذا الأساس جاء بيان مجلس الأمن هزيلاً لا يعبر عن معاني وروح الجمع الساخط والأعداد على مستوى العالم التي هي في تزايد، وصار واضحاً سخط العالم والشعوب التي عبّرت عن الاستنكار لحادث القتل الهمجي الذي لا يبرره سبب أو معنى، ولكنها الذات المريضة لدى العدو التي لا حياة لها بدون هذا الستار من الدماء الزكية، وللعدو يوم ينهار فيه ما يظن بدوامه.
والله ولي التوفيق.