في هذه اللحظة تكون فترة ركود الأسرة وتسرّب بعض أفرادها للنوم في وقت مبكر جداً، والوقت بالنسبة إلينا متأخر، ودخلنا مرحلة المحرمات؛ فالساعة اقتربت من التاسعة والنصف مساء.. إذاً فالمشي الآن يجب أن يكون على طرف الأصابع والحديث همساً.. وعدم لمس أي شيء قد يحدث صوتاً يثير النائمين في مهاجعهم، وأبها الحالمة كانت مثل طفلة صغيرة تعتلي الجبال وتغط في نوم عميق، ولو عطس أحدهم في شرقها لشمَّته الآخر في غربها، والتلفزيون يجب أن ينخفض صوته ليهمس هو الآخر.
لا أعلم أي سنة نحن الآن.. لكنني أشعر بأننا قبل أكثر من عشرين عاماً، وبالتأكيد فنحن في حقبة الثمانينيات حين كان التلفزيون السعودي خيارنا الأول والأخير والحصري أيضاً.
المسلسل سميناه جميعاً (ستيف أوستن) نسبة للبطل الذي سأحدثكم عنه بعد قليل، لكن المسمى الحقيقي هو: (The Six Dollar man) أي رجل الستة ملايين دولار.. وهو مسلسل أمريكي بوليسي خيالي أنتج بين عامي 73 و78م.
(ستيف أوستن) البطل الذي قدم من الفضاء وتحطمت مركبته في الأرض فتمَّ إنقاذه واستبدلت أعضاؤه برقائق إلكترونية تعطي التبرير الحركي له الذي كان يثيرنا جميعاً ونحاول تقليده بيننا البين.
كان ستيف هذا يمتلك قوى خارقة لم نكن نستوعبها حيث كان يركض بسرعة تضاهي سرعة السيارة، ويقفز من مناطق مرتفعة جداً (ما زلت أذكر أن حالات وفاة سجلت لأطفال حاولوا تقليده حينها).
كانت السذاجة تتملكنا حين نتحلَّق بالصف في اليوم التالي في ضجر واضح.. وكل واحد منا يحكي مشاهد المسلسل بحسب رؤيته هو، جميعنا كنا نركز في أسلوب الحركة، ولم يتحدث أي منا عن الحبكة الدرامية أو القصة أو أي شيء آخر عدا اللغة البصرية والموسيقى التصويرية المرافقة لها، إنه مسلسل خيالي حفظناه أكثر من دروسنا المقررة، وما زال حتى اليوم محتلا لذاكرتنا.
m.alqahtani@al-jazirah.com.sa