اليوم يحل الذكرى الخامسة لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله -. وتعد كل سنة من السنوات الخمس الماضية منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد فترة تاريخية بحد ذاتها؛ لما شهدته كل سنة من هذه السنوات الخمس من إنجازات وأعمال تعد قياسية في عمر الزمن، على الصعد كافة، تميزت بالشمولية والتكامل لبناء وطن وقيادة أمة.
وتميزت رؤيته - حفظه الله - بالأصالة التي كان مبدأها: الدين أولاً والوطن ثانياً، ولا مجال عنده للمساومة في هذين المبدأين، وتحقيق مبدأ العدالة والإصلاح في أعلى مراتبها، ومتابعة مشاريع التنمية في كل أوجه الحياة وفي جميع مناطق المملكة، دون مفاضلة بين منطقة وأخرى. وقد لمس الجميع ثمرات جهود الملك عبدالله بن عبدالعزيز في خدمة وطنه وتحقيق المزيد من الخير والازدهار لبلاده ولأبناء شعبه؛ فأصبحت ينابيع الخير في ازدياد يوماً بعد آخر، وتوالت العطاءات والمنجزات الخيرة وتحققت في عهده المبارك إنجازات ضخمة وتحولات كبرى في مختلف الجوانب التعليمية والاقتصادية والزراعية والصناعية والثقافية والاجتماعية والعمرانية. وما جولاته - حفظه الله - على جميع مناطق المملكة، إلاّ ليدشن العمل لإنشاء المدن الجامعية، والمجمعات الصناعية الكبرى، ويرسي دعائم المشاريع العملاقة ويفتح المصانع والطرق والمنشآت الخدمية، ويتفقد أحوال المواطنين ويتلمس ما يسعدهم ويحفظ لهم كرامتهم والحياة الكريمة والعيش الرغيد لصغيرهم وكبيرهم. وبتوجيه وحرص منه تم زيادة مخصصات الضمان الاجتماعي، وتوفير الوظائف الرسمية لموظفي بند العمال، وبند المستخدمين، وزيادة الوظائف التعليمية، وبادر - وفقه الله - وعبر رؤية ثاقبة بزيادة رؤوس أموال الصناديق الاستثمارية الحكومية: صندوق التنمية العقارية وصندوق التنمية الصناعية وبنك التسليف إلى أعلى سقف بحيث لبى البنك وهذه الصناديق الطلبات، وأسهمت في ازدهار الحركة الاقتصادية والصناعية، وإيجاد فرص استثمارية غير مسبوقة في بلادنا للشركات والأفراد على حد سواء.
وواكب هذه الإنجازات الكبيرة إنجازات مماثلة على الصعيد التعليمي والأكاديمي حيث تم إحداث جامعات جديدة في جميع المناطق بالمملكة، وفي بعض المحافظات، وإعطاء فرص طيبة للاستثمار التعليمي الأكاديمي بالسماح بإنشاء وتأسيس جامعات أهلية، وكليات في مختلف التخصصات العلمية، وتم فتح مجال التنافس بين الجامعات لتحقيق الإنجازات العلمية النوعية وفتح مجالات التعاون العلمي وإبرام الاتفاقيات التعاونية مع الجامعات والكليات والمراكز العلمية العالمية في الشرق والغرب، ولعل أبرز حدث في هذا المجال محلياً وعالمياً هو إنشاء وتشغيل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية التي ولدت عملاقة بإمكاناتها وخططها وكانت محل إكبار وإشادة من كثير من الجهات والشخصيات العالمية.
ويعد برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، الذي وجه - حفظه الله - بمده خمس سنوات أخرى بدءاً من عام 1431هـ، نقلة نوعية، ويهدف إلى نقل التقنية والمعرفة من مصادرها الأصلية في الجامعات العالمية المرموقة؛ ما يشكل إضافة كبيرة للتعليم ويدفع به إلى آفاق جديدة، وسد احتياج بلادنا بالكفاءات الوطنية المؤهلة في تخصصات نوعية تعد أعمدة الارتكاز للتنمية، ولا تقتصر مخرجات البرنامج على ملء الاحتياج الوظيفي لسوق العمل بالتخصصات الحديثة فحسب، بل سيكون لها الدور البارز في مجال الإبداع والابتكار. وكان من أبرز الإنجازات المحلية، وقوفه - حفظه الله -، وبقوة ضد التسيب والأخطاء وما حل بسببهما من مشاكل أضرت بسير العمل والمشاريع التنموية في البلاد.. وما كارثة السيول التي حلت في بعض الأحياء السكانية بمدينة جدة إلا مثال، والتي كان من نتيجتها فقد كثير من الأرواح والممتلكات، وقد أمر الملك عبدالله بتشكيل لجنة عليا، برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة؛ للتحقيق في الأسباب التي أدت إلى هذه الكارثة، وأمره الكريم بتحمل الدولة كل ما نجم عن ذلك، بدفع مليون ريال لكل حالة وفاة، وتعويض الخسائر في الممتلكات لكل مواطن تضرر منها ثم أمره بإحالة المتسببين إلى القضاء لمحاسبتهم على ما ارتكبوه بحق الوطن والمواطن من أخطاء فادحة، وهذه الخطوة القوية منه - حفظه الله - ضمن أولوياته لقطع دابر الفساد في هذه البلاد، كما يقدر له شعبه الوفي وقفته القوية ضد ما حدث في جنوب البلاد من عمليات تسلل وعبث في بعض القرى الواقعة في الحد الجنوبي وإرعاب أهلها؛ فقام الجيش السعودي الباسل بدحرهم ورد كيدهم في نحورهم، وتلقينهم درساً لا ينسونه.. ومبادرته الشجاعة بزيارة أبنائه أفراد القوات المسلحة المرابطين في مواقعهم الدفاعية، ومشاركتهم فرحة النصر، ونجم عن هذه الزيارة الميمونة صدور أمره الكريم بإنشاء مدينة سكنية (تتكون من عشرة آلاف منزل) لأبنائه النازحين من قراهم الواقعة على الحد الجنوبي، وتسخير جميع وسائل الحياة الطيبة لهم ولأبنائهم ولأسرهم.
وعلى الصعيد العربي والإسلامي والدولي مواقفه المشهودة لنصرة الحق الفلسطيني ومحاولة رأب الخلاف بين الإخوة الفلسطينيين، ورصد مليار دولار لإعادة إعمار غزة بعد الحرب الهمجية التي قام بها الكيان الصهيوني ضد أهلنا في قطاع غزة، وسعيه - حفظه الله - لجمع كلمة الدول العربية، والتمسك بمبادرة السلام العربية وعدم إتاحة الفرصة للعدو الإسرائيلي لتمييع هذه المبادرة. وقيامه - وفقه الله - بجولات عالمية، وتوقيع اتفاقيات تنموية مع تلك الدول لترسيخ علاقاتها السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية مع المملكة وجلب رأس المال الأجنبي لتحقيق خطط التنمية الاقتصادية في البلاد، والاستثمار في مشاريع عملاقة لخدمة بلادنا ومواطنيها على المدى البعيد.
مدير جامعة الباحة