الجزيرة: حازم الشرقاوي :
تظهر حكمة وحنكة ورؤية القائد أثناء الأزمات أو حتى الشعور بها، وقد ظهرت رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز المستقبلة في قرارات ومبادرات كثيرة اتخذها منذ مبايعتته ملكاً للمملكة العربية السعودية ومن بينها مبادرة الملك عبدالله للاستثمار الزراعي في الخارج، فور استشعاره بأزمة غذاء تضرب العالم، وقد أخذت المبادرة حيذاً كبيراً واهتماماً واسعاً من المسؤولين التنفيذيين في الحكومة على مستوى وزراء، وكذلك على مستوى القطاع الخاص الذي لبى توجيهات المليك واتجه نحو إقامة مشروعات زراعية ضخمة تسهم في توفير الغذاء للمملكة، وللدول التي يستثمر فيها، وكانت الخطوات الأولى مع دول مجاورة وهي: مصر والسودان، كما أن هناك تحركات مع دول إفريقية أخرى وباكستان، وأوكرانيا... وغيرها.
وقد كان العالم قد واجه في منتصف عام 2007م نقصاً ملحوظاً في عرض السلع الغذائية الأساسية، في ظل زيادة الطلب عليها مما أدى إلى ارتفاع حاد في الأسعار، ومع بداية الأزمة المالية العالمية في الربع الأخير من عام 2008م، بدأت بعض أسعار المواد الغذائية في الانخفاض، إلا أن هذه الظاهرة ليست معياراً لوفرة مستقبلية كبيرة، وستسير المبادرة قدماً حيث إنها إستراتيجية مستدامة بعيدة المدى.
توقعات استثمارية
وقد توقع متخصصون في القطاع الزراعي، أن ترتفع الاستثمارات السعودية الزراعية في الخارج خلال السنوات العشر المقبلة إلى 40 مليار ريال.
وكان وزير الزراعة الدكتور فهد بن عبدالرحمن بالغنيم ذكر أن الاستثمار الزراعي الخارجي يهدف في الأساس إلى توفير متطلبات المملكة من المنتجات الغذائية والأعلاف، مشيراً إلى أن الاستثمار الزراعي سواء كان داخلياً أم خارجياً فإن ذلك يعني زيادة الإنتاج الزراعي، وبالتالي توفير مزيد من الإنتاج في الأسواق.
قطف الثمار
وفي استجابة لمبادرة المليك قامت وفود حكومية وأخرى للقطاع الخاص بزيارة عدد من الدول واطلعت على تجاربها الزراعية، وقام القطاع الخاص بالتعاقد مع بعض الحكومات لاستصلاح وزراعة أراض في مناطق محددة، ونجحت بعض الشركات الوطنية التي استثمرت خارجياً وفي مقدمتها شركة الراجحي التي بدأت منذ أسابيع الحصاد لمشروعاتها في الخارج واحتفت الشركة بحصاد محاصيل الشعير في مشروع ‹›توشكى›› لاستصلاح الأراضي على جانبي نهر النيل في مصر، وأعلن مؤسس الشركة سليمان الراجحي أن معدلات الإنتاج في المرحلة الأولى التي تبلغ مساحتها نحو 25 ألف فدان، بلغت معدلات مرضية تتجاوز ستة أطنان للهكتار.
تأثيرات ارتفاع الأسعار
وقد قال وزير التجارة والصناعة عبدالله زينل: إن الأزمة الغذائية التي شهدها العالم أدت إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية الأساسية، وحدوث تأثيرات سلبية على مستوى معيشة المواطنين في الكثير من الدول وخصوصاً الدول النامية المستوردة للسلع والمنتجات الزراعية. ويعزى ارتفاع أسعار الأغذية إلى عوامل متعددة من أبرزها الانخفاض الكبير في الإنتاج العالمي من الحبوب والمخزون منها، والتوجه نجو إنتاج الوقود الحيوي من بعض المنتجات الزراعية قيام البلدان المصدرة للسلع الزراعية بفرض قيود وإجراءات حظر لصادراتها من الحبوب. وهذه العوامل أسهمت في تقليص المعروض العالمي من السلع والمنتجات الزراعية وارتفاع أسعارها.
وذكر زينل قائلاً: حرصاً من المملكة العربية السعودية في المساهمة مع بعض دول العالم لإيجاد حل لهذه المشكلة، فقد جاءت مبادرة الملك عبدالله للاستثمار الزراعي السعودي في الخارج والتي تهدف إلى المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي الوطني والعالمي وبناء شراكات تكاملية مع عدد من الدول في مختلف أنحاء العالم التي تتوفر فيها مقومات وإمكانات زراعية عالية لتنمية وإدارة الاستثمارات الزراعية في عدد المحاصيل الزراعية الإستراتيجية بكميات كافية وأسعار مستقرة إضافة إلى ضمان تطورها واستمرارها.
وحرصاً من خادم الحرمين الشريفين على إنجاح المبادرة وتحقيق أهدافها، فقد صدرت التوجيهات السامية الكريمة بتقديم كافة التسهيلات المناسبة للمستثمرين السعوديين في الخارج في المجال الزراعي، وعقد شراكات واتفاقيات ثنائية بين المملكة والدول المضيفة في مجال تشجيع الاستثمار الزراعي، وقد رحب العديد من قادة الدول بالاستثمارات الزراعية السعودية على أراضيهم، وقدموا الكثير من المساحات الزراعية للمستثمرين والشركات الزراعية السعودية.
رؤية المبادرة.
وقد جاءت مبادرة خادم الحرمين الشريفين نتيجة عدة أسباب يمكن رصدرها - وفقاً لتقرير لوزارة التجارة والصناعة- وهي: الارتفاع في أسعار السلع والمواد الغذائية وتزامنه مع انخفاض مخزونات العالم والطلب المتزايد للغذاء، المضاربات التجارية على السلعة الزراعية، عدم الاستثمار بشكل كاف ملائم في المجال الزراعي في الدول النامية، استغلال بعض المساحات المزروعة في إنتاج الوقود الحيوي، تطبيق بعض المعوقات التجارية لبعض المنتجات الغذائية، مثل: إيقاف التصدير، وفرض حصص تصديرية، الظواهر والتغيرات المناخية.
ومن الأسباب أيضاً زيادة عدد سكان العالم، وتحسن المستوى المعيشي في العديد من دول العالم، شبح الجوع الذي يهدد عدداً كبيراً من الدول النامية بصورة مباشرة، مع ارتفاع عدد المتأثرين بنقص الغذاء إلى نحو مليار نسمة.
حول رؤية المبادرة، أوضح تقرير وزارة التجارة والصناعة أنها تهدف إلى التصدي لمشكلة الأزمة الغذائية، باتخاذ إجراءات مناسبة، وتأمين العيش الرغيد للوطن وتحقيق الأمن الغذائي، إيجاد مخزون إستراتيجي آمن من السلع الأساسية مثل: الأرز والقمح والشعير والذرة وفول الصويا والثروة الحيوانية، بما يحقق الأمن الغذائي للمملكة ويحول دون نشوء أزمات غذائية مستقبلية، بالإضافة إلى الحفاظ على استقرار أسعار المواد الغذائية بصفة مستدامة.
قرارات المبادرة والبعد الإنساني
وقال التقرير: لقد تبنت الحكومة عدداً من القرارات والإجراءات بهدف التصدي لمشكلة الغذاء وتحقيق الأمن الغذائي من خلال» مبادرة الملك عبدالله للاستثمار الزراعي السعودي في الخارج»، تمثلت فيما يلي:
* تشكيل لجنة وزارية من كل من وزارة التجارة والصناعة ووزارة الزراعة ووزارة الخارجية ووزارة المالية، انبثق عنها فرق عمل فنية، بهدف القيام بخطة عمل واتخاذ إجراءات مناسبة للمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي للمملكة.
* بناء وإدارة مخزون إستراتيجي للسلع الغذائية الرئيسة بالمشاركة مع القطاع الخاص للتعامل مع الأزمات وتقلبات الأسعار.
* تبني الحكومة لاتفاقية إطارية مع الدول المضيفة لتشجيع الاستثمارات السعودية الزراعية.
* تحديد الدول المستهدفة بالاستثمار الزراعي السعودي الخارجي.
* التعرف على المزايا والضمانات والحوافز الممنوحة للمستثمر الزراعي السعودي في الدول المضيفة.
* تبني الدولة لبعض الحوافز والتسهيلات المناسبة لقيام الاستثمارات الزراعية في الدول المستهدفة بالاستثمار الزراعي، مع إمكانية تنفيذ عقود شراء المحاصيل الزراعية.
إن المبادرة الزراعية تحمل بعداً إنسانياً كونها تهدف إلى زيادة إنتاج الغذاء في العالم، خاصة من السلع الغذائية الأساسية، وأن جزءاً من الإنتاج سوف يخصص للدول المضيفة، مما يساهم في تحقيق أمنها الغذائي، كما أنها لا تحمل أهدافاً سياسية، والمملكة في جميع مبادراتها الخيرية والاستثمارية بمنأى عن التوجهات السياسية.وتقوم المبادرة على اختيار الدول ذات الإمكانات الزراعية الجيدة، والأنظمة الاستثمارية الجاذبة، واعتبار أن القطاع الخاص هو المستثمر الرئيس، واستعداد الدولة لتوفير الحوافز المناسبة، إمكانية مساندة الدولة من خلال الصناديق المعنية في تمويل البنية الأساسية إذا لزم الأمر، وضع آليات لضمان حق تصدير بعض المحصول الناتج للمملكة بأسعار عادلة، بناء وإدارة مخزون إستراتيجي للسلع الغذائية الأساسية بمختلف مناطق المملكة، حرية اختيار المحاصيل المزروعة والتي حددت من خلال هذه المبادرة، توقيع اتفاقيات ثنائية مع الدول المضيفة وكذلك عقود امتياز تضمن تحقيق أهداف الاستثمارات وحمايتها، وأن تكون الاستثمارات طويلة المدى، توفر جميع الموارد اللازمة للزراعة بما فيها الأراضي الخصبة والمياه الوفيرة ومدخلات الزراعة، دعم وتشجيع الدولة للاستثمارات.
عوامل النجاح
وقد رصد تقرير وزارة التجارة والصناعة العوامل التي تساهم في نجاح المبادرة وهي:
* الدولة تساهم في رعاية الاستثمار الخارجية وتقدم الحوافز والمزايا للمستثمر.
* إنسانية المبادرة، فالاستثمار ليس هدفه فقط الربحية التجارية الباهظة.
* الاستثمار الزراعي استثمار طويل الأجل، وليس أموالاً ساخنة للمضاربة.
* المملكة لديها خبرات كبيرة ومميزة في الاستثمار الزراعي جاوز الثلاثين عاماً.
* الاهتمام بتكوين البنية التحتية الذاتية للمشروعات، وليس مجرد ضخ الأموال، أو إيرادات وتكاليف فقط.
* الاهتمام بالبحث والتطوير، وبناء قواعد البيانات والمعلومات.
* أن تبين العقود وفق أسس عادلة، تراعى مصالح أصحاب الأرض، والعمالة المحلية.
* أن تكون العقود واضحة، تتسم بالشفافية، والإفصاح.
* أن يكون الاستثمار ضمن خطط احتياجات الدول المضيفة الغذائية والتنموية وأن يساهم فيها.
التحديات والمعوقات:
* طول الإجراءات عند الرغبة في دخول المستثمرين في الاستثمار.
* عقبات في التطبيق الفعلي لبعض بنود قوانين الاستثمار والتفسيرات التابعة لها.
* استحداث قوانين وتفسيرات جديدة تؤثر سلباً على الاستثمارات، خاصة ما يتعلق بقوانين الجمارك والضرائب مما يضيف أعباء جديدة وذلك خلال فترة الإعفاء الممنوحة للمستثمرين.
* بطء وطول الإجراءات الجمركية وتعقيد إجراءات تطبيق الامتيازات الممنوحة بقانون الاستثمار مما يؤدي إلى عدم تمكن المستثمر من الاستفادة منها.
* الأعباء الضريبية المفروضة على الإنتاج الزراعي من العوائد المحلية وتبرعات هي في جوهرها ضرائب لأن المعاملات لا تكتمل إلا بعد دفعها.
* تباين وتعدد الرسوم المفروضة على المستثمر والضرائب المحلية المتعددة والمساهمات التي يتم تحصيلها خلال مراحل العمليات الإنتاجية المختلفة مما تشكل عبئاً مالياً إضافياً على المستثمر.
* عدم وجود شفافية في تطبيق قوانين الاستثمار. خاصة فيما يتعلق بتخصيص الأراضي الزراعية حيث يقوم المستثمر بدفع رسوم تصديق وتسجيل الأرض ورسوم العقد لكل فدان وفي مجملها عالية القيمة.
* ضعف البنية التحتية في مناطق الإنتاج الزراعي والحيواني اللازمة لتشجيع المستثمر وتتمثل في ضعف شبكات الري وما يتطلبه إنشاؤها من تكاليف استثمارية عالية وعدم وجود الطرق المعبدة والسكك الحديدية، والطاقة الكهربائية والخدمات المساعدة والقنوات التسويقية.
* عدم وجود أراض مخططة وجاهزة للاستثمار الزراعي (خريطة استثمارية ودليل زراعي).
* مشكلات الحيازة الزراعية وتسجيلها ومشكلات ملكية الأراضي.
* عدم التزام المستثمرين بإرسال التقارير الخاصة بأداء المشروعات حتى يتم ربطها بالإعفاءات الضريبية وتجديدها سنوياً
* بطء التنفيذ للمشروعات من جانب المستثمر مما يؤدي لطلب مد فترة سريان الإعفاءات خاصة الضريبية.
* تكلفة الخدمات الأساسية والتي تشكل عبئاً إضافياً على المستثمر خاصة خدمات الكهرباء والمياه والمواد البترولية والتي هي في حالة تصاعد مستمر.