وادي الدواسر- قبلان الحزيمي
|
يعد السيف أقدم الأسلحة وأشرفها عند العرب وأكثرها فاعلية في القتال حتى صار لكل عربي سيف لا يكاد يفارقه في وقت كانت لغة السيف هي لغة الحسم، في حين كانت العرضات الحربية بقصائدها الحماسية تعرف بأنها إشارة لبدء الحرب وبث الحماس في نفوس الرجال وكان السيف أحد عدتها الملازمة لها.
|
و بعد أن انتقلت بلادنا بفضل الله ثم حكمة المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - من تناحر إلى أمان ووحدة وتحولت العرضة بكامل عناصرها وتجهيزاتها إلى رمز للسلام ورسالة للمحبة ولغة للفرح والبهجة وعشق لتراب هذه الأرض الطاهرة، نجد اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بهذا الموروث الشعبي الأصيل ومشاركته - يرعاه الله - لأبنائه ومحبيه عرضة الوطن التي يعشقها الجميع.
|
|
وتمثل العرضه السعودية التي ترتفع خلالها هامات السيوف برعاية دائمة من خادم الحرمين الشريفين كل عام أحد أهم نشاطات المهرجان الوطني للتراث والثقافة والتي تعبر عن وحدة الوطن واتحاد الشعب والقيادة وتمثل تجسيدا لعزة الأمة وقوتها وتماسكها، كما أن مشاركة الملك عبد الله في لوحة الفن السعودية بملابسه المخصوص لهذا الفن العريق (المرودن) وتمايله بسيفه الصقيل بمهارته الفريدة تجعل الجميع يتسابقون لمشاركة مليكهم يتقدمهم أصحاب السمو الأمراء وجموع المواطنين، الكل يغني للوطن، وتحت الراية السعودية الخضراء (البيرق).
|
إن عشق الملك عبد الله - يحفظه الله - للسيف هو من حبه للتراث المجيد، وما أجمله من سيف في يد صقر العروبة وما أجمله من سيف يطبق به شرع الله ويحقق به العدل ليدوم الأمن والاستقرار على بلادنا التي اتخذت القرآن دستوراً ومنهجاً منذ تأسيسها عبر عصورها الثلاثة.
|
|
وعن سيوف الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - يقول الشيخ / عبدالرحمن بن سليمان الرويشد في معرض مقال له سابق بجريدة (الجزيرة): كان الملك عبدالعزيز يملك عدة سيوف، ويعنى بها عناية فائقة، وله خبرة واسعة في أجناسها وتاريخها، لاسيما السيوف القديمة منها التي اشتهرت في العائلة، وقد حرص على جمع ما تفرق منها فتم له ذلك!! ومعظم تلك السيوف القديمة في العائلة السعودية المالكة هي من نوع (دابان) وكان الملك عبدالعزيز يمتلك أربعة سيوف مشهورة هي: (رقبان) وهو أحب السيوف إليه، والثاني السيف (صويلح)، والثالث (ثويني)، والرابع (ياقوت) من نوع القردة. وقد أعطى الملك عبدالعزيز السيف (صويلح) والسيف (رقبان) لابنه الأمير محمد، وقد أعطى الأمير محمد بن عبدالعزيز السيف (صويلح) للأمير سعود بن جلوي. وبعد وفاة الأمير سعود بن جلوي، آلت ملكية هذا السيف إلى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-. وقد أهداه الملك فهد إلى متحف الملك عبدالعزيز.
|
كما أهدى الأمير محمد بن عبدالعزيز السيف (رقبان) إلى أخيه الملك فيصل بن عبدالعزيز، وبعد وفاة الملك فيصل، حصل الملك فهد على هذا السيف وضمه لمتحف الملك عبدالعزيز.
|
إلى ذلك قال معالي أمين عام دارة الملك عبدالعزيز الدكتور فهد بن عبدالله السماري بمناسبة استلام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود (السيف الأجرب) الذي قدمه له أخوه جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين: (إن هذه المناسبة هي امتداد لاهتمام خادم الحرمين الشريفين بتاريخ المملكة العربية السعودية وانعكاس جلي لرعايته السامية والكريمة للعلاقات الأخوية والشقيقة التي تربط المملكة العربية السعودية بمملكة البحرين وتأتي هذه المناسبة التاريخية انعكاساً للعناية السامية بالتاريخ ومصادره ورموزه، وحرص خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- على العناية بالمقتنيات التاريخية ذات الدلالة المهمة للعراقة والتراث والأصالة والوفاء لهذا الشعب وقياداته عبر التاريخ).
|
وبين الدكتور السماري أن السيف الأجرب يعد من السيوف المهمة التي استخدمت في تاريخ الدولة السعودية وهو يعود للإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الثانية (توفي 1249هـ) ولقب السيف بالأجرب على ما يبدو نظرا لوجود صدأ بائناً عليه.
|
وأورد ما قاله المؤرخ عثمان بن بشر واصفا الأوضاع في الدولة السعودية بعد سقوط الدرعية عام 1233هـ: (قلت وانحل فيها نظام الجماعة والسمع والطاعة، وعدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى لا يستطيع أحد أن ينهى عن منكر أو يأمر بطاعة.. وصار الرجل في بيته لا ينام، وتعذرت الأسفار بين البلدان، وتطاير شرر الفتن في الأوطان، وظهرت دعوى الجاهلية بين العباد.. فلم تزل هذه المحن على الناس متتابعة وأجنحة ظلامها بينهم خاضعة حتى أتاح الله لها نورا ساطعا وسيفا لمن أثار الفتن قاطعا، فسطع به من كشف الله بسببه المحن وشهره من غمد في رؤوس أهل الفتن، الوافي بالعقود تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود أسكنه الله تعالى إلى أعلى الجنان وتغمده بالمغفرة والرضوان).
|
وأشار معالي أمين عام الدارة إلى أن الإمام تركي تمكن من إعادة تأسيس الدولة السعودية الثانية وعاصمتها الرياض مدللا بذلك على عمق جذور أسرة آل سعود المالكة في المنطقة ونجاح الدولة السعودية في البقاء رغم الظروف.
|
وما قام به الإمام تركي في غضون سنوات لم تتجاوز أربع أو خمس من سقوط الدولة السعودية الأولى هو دليل على صحة ما توقعه المؤرخ الفرنسي (فيلكس مانجان) في كتابه الذي نشر بعد سقوط الدرعية من أن الدولة السعودية ستعود إلى الظهور مرة أخرى بسبب عمق أسرتها الحاكمة التاريخي ومبادئها الإسلامية التي تقوم عليها وما تركته من آثار عظيمة في المنطقة من نشر الأمن والاستقرار وإنشاء دولة قوية مترامية الأطراف في الجزيرة العربية التي لم تشهد مثيلاً لها منذ الدولة الإسلامية الأولى في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين. وينسب للإمام تركي بن عبدالله قصيدة أوضح فيها الكثير من الأعمال التي قام بها لإعادة تأسيس الدولة والأوضاع التي سادت مجددا بعد تحقيق ذلك. وتضمنت القصيدة الإشارة إلى السيف الأجرب الذي ذكره الإمام تركي بأنه هو (الخوي) أي الصاحب الذي كان معه عند تحقيقه لتلك البطولات التاريخية بتوفيق الله عز وجل. ولقد وردت تلك القصيدة بعدة صيغ غير دقيقة، والصيغة الأقرب اعتمادا على ورودها في مجموع نبطي قديم:
|
طار الكرا عن مقلة العين فرى |
فزيت من نومي طرا لي طواري |
وأبديت من جاش الحشا ما تذرا |
وأسهرت من حولي بكثر الهذاري |
خطٍ لفاني زاد قلبي بحرى |
من شاكيٍ ضيم النيا والعزاري |
سر يا قلم واكتب على ما تورى |
واكتب جوابٍ لابن عمي مشاري |
شيخ على طرق الشجاعة مظرى |
من لابة يوم الملاقى ظواري |
ياما سهرنا حاكم ما يطرى |
واليوم دنيا ضاع فيها افتكاري |
تشكي لمن يبكي له الجود طرى |
ضراب هامات العدا ما يداري |
إلى أن قال: |
يوم إن كلٍ من عميله تبرى |
ونجدٍ غدت باب بليا سواري |
رميت عني برقع الذل برى |
ولا خير في من لا يدوس المحاري |
نزلتها غصبٍ بخير وشرى |
وجمعت شمل بالقرايا وقاري |
وأجهدت في طلب العلا لين قرى |
وطاب الكرا مع لابسات الخزاري |
ومن غاص غبات البحر جاب درى |
وحمد مصابيح السرا كل ساري |
أنا احمد اللي جابها ما تحرى |
وأذهب غبار الذل عني وطاري |
وأحصنت نجدٍ عقب ماهي تطرى |
مصيونة عن حر لفح المذاري |
والشرع فيها قد مشى واستمرى |
يقرأ بنا درس الضحى كل قاري |
وزال الهوى والغبن عنها وفرى |
ويقضي بنا القاضي بليا مصاري |
ولا سلت عن من قال لي لا تزرى |
حطيت الأجرب لي خويٍ مباري |
نعم الصديق ليا صطا هم جرى |
يودع مناعير النشامى حباري |
يشير مضمون الأبيات إلى أن هذه القصيدة قيلت في عام 1240هـ بعد أن تمكن الإمام تركي بن عبدالله من طرد الحاميات العثمانية من نجد وقبل قدوم ابن عمه الأمير مشاري بن عبدالرحمن من مصر حيث حثه فيها على الهرب والعودة بعد استقرار الأمور.
|
وتشير القصيدة إلى أن الإمام تركي خاطب ابن عمه بهذه الأبيات نتيجة لورود رسالة من الأمير مشاري بن عبدالرحمن مشتكيا من معاناته في مصر.
|
كما جاء عند منديل الفهيد أبيات تنسب للإمام تركي تضمنت أيضا إشارة للسيف (الأجرب) وينعته بالخوي (الصاحب) ويحدد الموقع الذي كان يختبئ فيه وحيداً إلا من سيفه ويشن منه غاراته وهو غار في جبل علية غرب الخرج:
|
جلست في غار على الطرق كشاف |
على طريقٍ نايفٍ في علية |
وطويق غرب وكاشفٍ كل الأطراف |
وخذيت به وقتٍ وله قابلية |
مع الخوي (الأجرب) على كل حواف |
في يد شجاعٍ ما تهبي ضوية |
قطاع بتاعٍ ولاني بخواف |
وبدبرة الله مانهاب المنية |
ولامن ضربت الدرب بالفعل ننشاف |
ونقايس الدنيا وبقعا صبية |
ولأهمية هذا السيف باعتباره سيف مؤسس الدولة السعودية الثانية وارتباطه ببطولات صاحبه الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود فإن الأسرة المالكة اعتنت به عناية خاصة. ولقد وردت روايات كثيرة في انتقال السيف (الأجرب) إلى البحرين حيث ذكر البعض أن الذي نقله هو الملك عبدالعزيز وذكر البعض أنه الإمام سعود بن فيصل بن تركي وذكر البعض أنه الأمير محمد بن سعود بن فيصل دون الإشارة إلى مصدر لتلك الروايات، ولكن أشار عبدالله فيلبي في كتابه (الذكرى العربية الذهبية) إلى أن الملك عبدالعزيز تحدث عن سيوف حكام الدولة السعودية وذكر أن السيف (الأجرب) من تلك السيوف وأن الإمام عبدالله بن فيصل أهداه إلى أسرة آل خليفة في البحرين.
|
ومن المشهور في المصادر القديمة بأن اليمامة كانت مصدراً مشهوراً لصناعة السيوف فعرف عند العرب السيوف الحنيفية التي يرجح نسبتها إلى قبيلة بني حنيفة والسيوف القساسية نسبة إلى جبل قساس في عالية نجد. لذلك اشتهرت السيوف المحلية والعناية بها لدى القادة والفرسان. وورد في صحيفة أم القرى بتاريخ 4-5-1349هـ بحثاً عن سيوف آل سعود ورد ضمنها سيف الأجرب إضافة إلى السيوف الأخرى المحفوظة والمتوارثة عند آل سعود، وأشير إلى عدد من السيوف التي انتقلت إلى الدولة السعودية ولها تاريخ عريق ولكن لم يشر البحث المنشور إلى مصدر السيف الأجرب الذي يبدو أنه كان من السيوف المحلية.
|
وبمناسبة انتقال السيف التاريخي (الأجرب).. من عرين (الصخير) إلى عرين (الرياض).. يقول معالي الشاعر غازي القصيبي:
|
رفيقَ الرجالِ!.. سلاحَ الأبي! |
سلامٌ على حدِّك اليعرُبِي |
سلامٌ عليك دخلتَ الحروبَ |
وليداً.. وما زلتَ لم تتعبِ |
تَفَرَّقُ حين تراك العِداةُ |
لذلك سُمِّيتَ (بالأجربِ) |
لئن كُنْتَ في كَنَفٍ طيِّبٍ |
فقد صرتَ في كَنَفٍ طيِّبِ |
وإن كُنْتَ ذُخْرَ المليكِ الهُمامِ |
فإنَّكَ ذخرُ أبي متعبِ |
تَنقَّلُ في العزّ بينَ العروشِ |
من الأغلبِ الحرِ.. للأغلبِ |
تقرِّب -لا مثل- باقي السيوفِ |
وتدني القريبَ إلى الأقربِ |
ربوعَ اللآلي! حماكِ الإلهُ |
ولا زلتِ في هامة الكوكبِ |
ويا قلعة الدين! لن تُغلبي |
فخير البلاد.. بلاد النبيِ |
|