Al Jazirah NewsPaper Wednesday  09/06/2010 G Issue 13768
الاربعاء 26 جمادىالآخرة 1431   العدد  13768
 
فداع الشريم في حديث لـ «الجزيرة» عن الملك عبدالله في الذكرى الخامسة للبيعة:
الصحراء والصراحة عشق الملك عبدالله وبين الفراسة والفروسية اكتملت صفات القائد

 

هجرة ابن شريم - لقاء - منيف خضير :

الشيخ فداع الشريم من أخوال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وأحد أصدقائه في شبابه، حالياً في السبعين من عمره، أرهقه المرض لم يعد بذات النشاط السابق، لا يخرج من منزله كثيراً هذه الأيام.

وفي أحد أركان منزله في هجرة ابن شريم 45 كم شمال محافظة رفحاء في منطقة الحدود الشمالية) توجد صورة له مع الملك في لقطة تصور حجم العلاقة بينهما. يظهر فيها الشيخ فداع بجوار صديقه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في مزرعته في روضة خريم.

ليس من السهولة أن تجد أحدًا يتحدث بهذه الصراحة، رغم الإرهاق البادي على محيا الضيف، كان حب صديقه أقوى من أي تأثير للمرض تحدث بحب فبدأ بعلاقة القرابة.

النشأة في الصحراء

صحراء محافظة رفحاء القاحلة تجتذب كثيراً من عشاق النزهات البرية، فهذه الصحراء تكتسي بحلة زاهية في فصل الربيع، حيث يكثر السائحون بحثاً عن طائر الحبارى والقطا وعن الضب ونبات الكمأ، وكثيرون كانت تأسرهم مئات الزهور البرية التي تفوح معطرة الصحراء التي تتمايل صورتها في مياه (الغدران) بعد موسم أمطار عذب، هذه الصورة الربيعية لم تفارق خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، والذي قضى جزءاً من بواكير الصبا في هذه الصحاري التي تجود تارةً وتقسو تارةً أخرى، فتعلم منها الصبر والحكمة والأخلاق النبيلة، كان الملك عبدالله - سادس ملوك المملكة العربية السعودية-، يعيش مع والدته الأميرة فهدة الشريم - رحمها الله - قبل أن تنتقل إلى الرياض حيث يقيم الملك عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه -، فكان لهذه النشأة أثرها على عشق المليك للصحراء، وعلى تنوع هواياته التي ارتبطت كثيراً بهذه الأرض التي لم ينقطع عنها،حيث زارها لاحقاً وهو ولي للعهد عدة مرات لممارسة هواية القنص والصيد.

الأميرة فهدة الشريم

يتحدث الشيخ فداع الشريم عن الأميرة فهدة - رحمها الله - والدة الملك عبدالله وسر اقتران الملك عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه - بها ويقول: خادم الحرمين كان يتذكر على الدوام والدته التي يتحدث عنها بعاطفة. والملك عبدالله لم يستطع أن يحبس دمعته ذات يوم حين كان أحدهم يحدثه عن والدته التي خرجت من الشمال في رحلة مضنية عبر الصحاري إلى الرياض العاصمة لتسكن هناك، مع ما في ذلك من مشقة.

كان يتذكر أمه دوماً ويقول إنه سيضع باسمها مشاريع خيرية، وهو وفيّ لوالديه - حسب ما يقول الشيخ فداع الشريم - الذي يتذكر مستعيناً بالمصادر التاريخية أن الأميرة فهدة الشريم -رحمها الله- ولدت في وفقاً لأحد المؤرخين العرب في أواخر القرن الثامن عشر.

ووالدها هو العاصي بن شريم أحد فرسان قبيلة شمر وشيوخها، كان «فارساً مغواراً لمع اسمه في وسط نجد وشمالها، تهابه العشائر وغزاتها وتضرب له ألف حساب» حسب ما ذكرته الدكتورة دلال الحربي في كتابها «نساء شهيرات من نجد». تزوج الملك عبد العزيز آل سعود فهدة بنت عاصي الشريم الشمري عام 1922م.

وأصبحت بذلك ثامن زوجات الملك عبد العزيز وأم عبد الله بن عبدالعزيز الملك.

ومن الأسباب الأخرى التي دفعت الملك عبد العزيز إلى الزواج بها ما كان لأبيها من مكانة رفيعة وقد توثقت العلاقة بين الملك عبد العزيز والعاصي بن شريم منذ فتح حائل، فأصبح الأخير من أبرز المساندين للملك عبدالعزيز، وشارك معه في بعض الأعمال الحربية ومن بينها وقعة السبلة في عام 1929م.

وأنجبت فهدة الملك عبدالله وشقيقتيه صيتة ونوف. لم يتزوجها الملك عبد العزيزعلى الطريقة المعتادة بين عشاق الصحراء وشبابها. «لقد تزوجها بعد أن سمع عنها وعن سيرتها الحسنة هكذا يقول «الشيخ فداع». ويضيف بفخر:

وطوال فترة حياتها كانت تحظى باحترام إخوان ولدها غير الأشقاء وخصوصاً الملكين الراحلين سعود وفيصل اللذين كانا يداومان على زيارتها بشكل أسبوعي للسلام عليها.

هجرة ابن شريم

غير بعيد عن محافظة رفحاء تقع قرية «ابن شريم»، حيث تقع شمالاً بمسافة تزيد عن 45 كم، في طريق معبد يربطها برفحاء، هذه القرية هي مسقط رأس والدة الملك عبدالله، وهي هجرة متواضعة إذ تحوي عددًا من البيوت الصغيرة. هنا بالتحديد كانت الخيام السوداء (بيوت الشَعر) التي يسكنها البدو وتحولت مع ثورة التنمية وطفرة الأموال إلى خيام من الأسمنت. ولا يزيد عدد البيوت هنا عن حوالي 80 بيتاً مع وجود عدد من المدارس للذكور والإناث ومركز صحي. ومجمع قروي، كما يوجد مسجد والدة الملك عبدالله الذي بناه على نفقته وهو مسجد أنيق يناسب تماماً حجم الهجرة واحتياجات سكانها.

في مكان بارز من الهجرة يوجد منزل الشيخ فداع الشريم الذي يعتبر واحداً من الأصدقاء المقربين من الملك عبد الله منذ أن كان في أوائل سنين شبابه. في بيته المبني من الأسمنت على طراز العمارة الحديث يستقبل هذا الشيخ السبعيني في مجلس ضخم العديد من رجالات الهجرة وكثيراً من الضيوف اللذين يفدون إليه من كل حدب، وقد علق على جدار مجلسه صورة شخصية تجمعه مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود.

الصراحة أبرز سمات المليك

سألته عن أبرز صفات الملك التي ورثها من زمن الطفولة والشباب قال الشيخ فداع الشريم:

أبرز صفاته- يحفظه الله- الصراحة، فقد كان يقول الصراحة ولا يبالي، الكل يعلم أنه قال للرئيس الأمريكي (بيل كلنتون) الذي طرح فكرة عقد لقاء سعودي إسرائيلي قال له: «للصداقة حدود يا فخامة الرئيس». وقال لأحد الحكام العرب ذات غلطة: «كان والدك يعد ويوفي أما أنت فلا».

أيضاً رده الصريح على الرئيس الليبي معمر القذافي في إحدى القمم العربية التي نقلتها الفضائيات العربية.

ولقد رفض استقبال رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بسبب علاقاته مع إيران بشكل قد يضر مصلحة العراق والمنطقة. أيضاً كان لا يستقبل إلا نادراً بعض الحكام والمسؤولين الذين لم يحترموا بعض الاتفاقات الرسمية المعلنة، ولكنه في الوقت ذاته يتصالح مع الجميع بذات السرعة إذا أبدوا حكمةً تتطلبها المصالح المشتركة.

يقول عنه صديقه فداع الشريم: «هكذا هو رجل صادق ونبيل.. إنه دوماً كذلك».

فارس شجاع

يؤكد الشيخ فداع صفة الفروسية والإقدام عند الملك فيقول: في شبابه كان الملك عبد الله صيادًا ماهرًا لا يخطئ حين يسدد بندقيته إلى هدف ما. كان يصيب الهدف فورًا وكنت قد تشرفت بمرافقته في عدد من رحلات القنص في الحدود الشمالية. وكان يستخدم العديد من البنادق في الصيد ويحب الخيول بدرجة لا مثيل لها.

كان يدخل في سباق مع الآخرين على الخيول إلا أنه حالياً لا يمتطي الخيول لكنه لم يتخلص من ولعه بها. وحتى الآن لم يتخلص الملك عبد الله من عشقه للخيول إذ يملك إسطبلاً ضخمًا يحتوي على العديد من الخيول العربية الأصيلة باهظة الثمن، إضافة إلى أنه يشرف بنفسه على مسابقة الخيول التي تتم في المملكة، ولديه مسابقة خاصة به يشارك فيه جميع المواطنين بخيولهم سنوياً ويحصلون على جوائز إذا حققوا الفوز. تلك المناسبة يحرص سنويًا على حضورها.

وفي شبابه كان فارسًا حقيقيًا. ذات يوم شاهد راعيًا يقود فرسًا وصفها بأنها شديدة الخطورة لا يستطيع أحد ركوبها. لم يقتنع بذلك الملك عبد الله بل أصر على ترويضها وركوبها. وبعد مضي دقائق من إمساكه بلجام هذه الفرس، كان يمتطيها وهو يغرق في سعادة الانتصار ويرفع إشارة النصر أمام أصدقائه المتعجبين.

ويضيف الشيخ فداع عن الملك عبدالله - حفظه الله - كان طويل القامة، وله مهابة، وكان جميل المحيا، ونشيطاً، كان يعشق الصحراء وفي مجالسه الخاصة كان يتحدث دوماً عن الصيد والخيول التي يعشقها كثيراً، ويكافئ البدو الذين يبشرونه بأخبار المطر».

وعن الأماكن التي يفضل الصيد فيها يقول الشيخ الشريم: يفضل الصيد في صحاري الشمال. وكان أبو متعب يحب الخيل منذ شبابه ويهوى الصيد بالصقور. إنه لن يستطيع التخلص من عشقه لها أبداً.

فراسة وفروسية

وعن هذا العشق الدائم للخيل تجلت فراسة وفروسية الملك يقول الشيخ فداع عن صديقه:

ذكرت له خيل في العراق لها مواصفات أصيلة، فأوفد فريقاً برئاسة الشيخ هادي الشريم، وأوصاهم بشرائها بأي ثمن إن كانت كما وصفت، وفعلاً تم شراؤها وهي (الجواد العاصي) وله سلالات معروفة، وكان عند حسن ظن المليك الذي أدرك صفاته الأصلية من خلال الوصف فقط.

وصفات الفروسية تتطلب معها صفات أخرى فالملك ماهر في الرماية ويعشقها ويتميز بها، حتى أن صاحب السمو أمير منطقة الحدود الشمالية عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد آل سعود كان يشيد بهذه الصفة، ويتذكرها في أحاديثه الخاصة، حيث لوحظ هذا التميز منذ بواكير شبابه.

ومن المواقف التي أتذكرها (والحديث لا يزال للشيخ فداع الشريم) أن الملك عبدالله كان يصيب أهدافه بمهارة كبيرة أعجبت المتفرجين، حتى أن الملك تحداهم بأنه سيصيب أي هدف ولو كان صغيراً متى ما تطوع ومسك بها أحدهم، بل زاد في التحدي أنه سيصيبه في أي جهة تم تحديدها، فقام عمي الشيخ هادي بن مسلط الشريم وأمسك بالهدف تماماً وفعلاً أصابه الملك في ذات الموقع وسط ذهول الجميع.

ويستطرد الشيخ فداع ويضيف: وفراسته ليست في الخيول فقط، بل تتجاوزها إلى الإنسان، فذات يوم وهو في رحلة صيد إلى العراق جاء شخص إليهم لم يتبينوا هويته. أمر الملك بالسماح له بالدخول إلى الخيمة. ولما كان هذا الشخص جائعًا أمر له بالطعام فورًا. كان الرجل مهموماً رغم أنه تناول الطعام معهم. وحين لاحظ الملك ذلك طمأنه وقال له:

«تناول عشاءك وحاجتك مقضية».

وبعد أن فرغ من طعامه قال له الرجل الغريب: «عندي اثنان من أبنائي حكم على أحدهم بالإعدام والآخر بالمؤبد وأنا لا يوجد لدي غيرهما».

وفي اليوم التالي شفع لهذا الرجل الذي لا يعرفه أمام الرئيس العراقي السابق صدام حسين ووافق على إطلاقهما.

يكره الكذب

ويضيف بن شريم عن صديقه المحبوب قائلاً: في تعامله اليومي مع الناس يكره الملك الأشخاص الذين يكذبون. وحين يكتشف هذه الصفة في أحدهم فإن ذلك معناه أن هذا الرجل قد فقد ثقة الملك به إلى الأبد. «إنه يحترم الصادقين جداً»، وقد استغنى عن عدد من المقربين منه الذين كانوا يتعاملون بفوقية مع الناس قائلا لهم:» إننا أبناء تسعة أشهر».

ومن صفاته الأخرى يقول الشيخ فداع: إنه يحب الحرص على جدوله اليومي والمداومة على المشي لمسافات طويلة.

رأفته بالناس

يؤكد الشيخ فداع الشريم أن الملك يتحلى بصفات قد لا يدركها الآخرون، فخادم الحرمين الشريفين- حفظه الله- رغم مهابته وشخصيته القوية يخفي قلباً رحيماً، والكل يتذكر الزيادة التي أمر بها لمنسوبي الحرس الوطني حراس المنشآت، حينما زارهم بنفسه وشاهد مشقتهم وتعرضهم لأشعة الشمس الحارقة، فأمر لهم بالزيادة، ومن المواقف الجميلة لصاحب القلب الطيب أنه أمر ذات شتاء قارس الجنود بارتداء الفروة فوق ملابسهم العسكرية دون الالتفات لمتطلبات الزي العسكري رحمة بأبنائه.

ومن الأشياء التي لا يستغربها كل من عرفه- حفظه الله- أنه لا يتوانى عن إيقاف موكبه الرسمي كلما شاهد حالة تستدعي ذلك، وكثيراً ما يشاهد الموكب وقد توقف بسبب رجل طاعن في السن أو بسبب امرأة تشير إليه بملفها الأخضر من بعيد وقد ذكر ذلك أحد حراسه الشخصيين رغم ما في ذلك من خطورة.

ومن صفاته المعروفة حبه لعمل الخير وبناء المساجد، وقد بنى العديد منها؛ جامع الشيخ مسلط الشريم برفحاء، جامع الأميرة فهدة الشريم بهجرة ابن شريم وغيرها الكثير، وزيارة المرضى، ويحرص على هذه العادة رغم ساعات العمل التي تمتد إلى منتصف الليل أحياناً.



 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد